إذا كان الإنتخاب حق لجميع المواطنين فإن الإمتناع حق كذلك ، غير أن هناك مراكز شد عكسي و كواليس مراكز القوى الأردنية التسعة عشر يهدرون دم كل من يقول بحق المواطن بالإمتناع عن الإنتخاب لأن ذلك يعني افشال قانون الإنتخاب الجديد جدا و الذي وضعته الحكومة الراحلة على عجل ، كما وضعت و عملت كل شيء على عجل رغم أنها الحكومة الأطول عمرا بين الحكومات الأردنية المائة و أربع حكومات التي تداورت على الدوارين الثالث والرابع منذ تأسيس الدولة و حتى اشعار أخر ، منذ العام 1989 و حتى اليوم و نحن نقيم انتخابات نيابية " أعراس وطنية كما يحب التلفزيون الأردني و كتاب الدعسة السريعة تسميتها " وكل عرس ينتهي بطلاق ، و كل انتخابات بقانون جديد دائما فنحن كالطفال في العيد لا يقبلون بالقديم و لا بد أن نشتري لهم ثيابا جديدة حتى لو بعنا أثاث البيت ، و قد سنت لنا الحكومات المتعاقبة و برلمانات " الألو " التابعة لها قانون التسعة وثمانين ثم قانون الصوت الواحد ثم قانون الدوائر الوهمية ثم قانون القوائم الوطنية و الآن قوائم " السح الدح امبو " التي لا يبدو أن أحدا يفهمها او يعرف كيف يمكن تشكيلها و ما هي النتائج التي ستتمخض عنها ، و الشباب يعملون على مشروع قانون الإنتخاب الجديد للعام 2020 .
الإنتخابات عبثية بامتياز ، و اسألوا أهل الذكر ان كنتم لا تعلمون ، وإل فاستفتوا قلوبكم و ان افتاكم الناس او افتوكم ، و الحزب الفائز في الإنتخابات معروف منذ اللحظة و لا يستطيع أحد كائنا من كان و لا الدائرة و لا المربع او المثلت تغيير النتائج ، الحزب الفائز هو حزب الكنبة ، حزب الأغلبية الصامتة الذي سيقضي يوم الإنتخابات الذي سيكون يوم عطلة يدخن الشيشة و يشاهد مسرحية عادل امام " شاهد ما شافش حاجة " للمرة الألف ، لأن الجزيرة بالتأكيد لن تكون مكترثة ، فهي ليست الإنتخابت الأمريكية و لا التركية ، و ستكون المارشات العسكرية و الأغاني الوطنية تصدح من التلفزيون الأردني و ستكون التحليلات تتناول و منذ الدقائق الأولى لفتح الصناديق " عظمة هذا الشعب ، و التدافع على الصناديق للتصويت " بينما ستكون الصور على مواقع التواصل الإجتماعي تعكس شيئا آخر مختلفا تماما ، و سنسمع تصريحات من معالي خالد الكلالدة عن حجم الإقبال الهائل على الصناديق و " أن نسبة المصوتين من العدد الإجمالي للمسجلين في الكشوف الذين أدلو بأصواتهم اذا ماقيسوا بالذين لم يصوتوا و لو احتسبنا الرقم الأصلي و رمينا نصفه في البحر ثم ضربنا الباقي في ثلاثة فإن نسبة الإقبال تجاوزت السبعين في المائة " و سيأتي المجلس الثامن عشر و يبقى يتماحك مع الحكومة أربع سنوات حتى يحقق النواب مصالحهم و يأخذ كل واحد حصته من السفرات و المياومات و الإعفاءات و ... هكذا دواليك ياهداك الله.
صعبة حالة الضياع هذه التي تتقاسمنا فيها المشاعر و يلتف فيها الخوف حول أنفسنا و أنفاسنا و نحن نعيش لحظة ضياع وطنية و لحظة خوف على الوطن و نحن نرى الوطن معملا للتجارب التي لا تنتهي ، و الفرق شاسع و البون كبير بين خوف المواطنين و خوف المستوطنين ، و بين لحظة حزن على طوابير الذين يتصيدون في دم الشهداء ، و جوع الفقراء ، و يأس العاطلين عن العمل لحظة نفاق او لحظة توسل ورجاء لحاجة او مكسب ، و الكلمات التي تقرأ و تكتب و تسمع لها أرواح ، و الذين لا يدركون أن لكل كلمة روح هم من نخب " المستثقفين و المتفيهقين و الرويبضة ، الراقصين على أشلاء كل شيء من اجل شيء و أحيانا من أجل لاشيء ، و الكلمات التي تخرج من القلب تصل الى اللقلوب و تؤثر فيها والكلمات المتزلفة لا تتعدى صحون الأذان و تسقط بعد ذلك ميتة كانما لم تكن.
ليس مهما كثيرا أن نحشد كل العازفين على ربابات الوطن المسكين و شعراء المناسبات و الموسعين كل غاز بالشتم و لو فاز بالإبل حتى ننجح العرس الوطني او الديمقراطي كما يسمونه ، و " ليس مجد في ملتي واعتقادي نوح باك او ترنم شادي " على ما حصل و يحصل فقد وصلنا الى نقطة لا بد منها أن نقف و نفكر و نمعن النظر فيما جرى و ما يجري.
الذين لا يريدون أن يعترفوا بأن الزمن يتغير ، و أن المنطقة دخلت منعطفا تاريخيا لا يمكن معه العودة الى الوراء او التشبث بطريقة الماضي القديمة في التفكير و الأداء ، و الذين يعيشون حالة انكار هستيرية تجعلهم لا يرون و لا يسمعون ، كل اولئك لا يمكن أن يقدروا على الحديث عن الوطن و لا عن الحاضر و لا عن المستقبل ، و الإنتخابات ليست استحقاقا دستوريا فحسب كاستحقاق امتحان التوجيهي لطلاب الثانوية العامة ، بل هو قبل كل شيء استحقاق اخلاقي و وطني يجب ان يكون مدروسا و ممنهجا كي نرتقي فيه بالوطن و ليس لدفع المتسلقين " ليتشعبطوا " على أكتاف الوطن أربع سنوات عجاف اخرى نبقى فيها نراوح مكاننا من حيث التشريع و الرقابة و الذين يشككون في هذا الكلام فليستعيدوا بذاكرتهم البرلمان السابع عشر و أدائه مع حكومة النسور التي تواطا فيها المجلس مع الحكومة فدمروا آخر ما تبقى من كرامة الشعب الأردني و زادوا نسبة عمليات الإنتحار بين الفقراء بسبب الجوع أكثر من مائة بالمائة.
الذين يشاركون في الإنتخابات أناس مساكين يذهبون مدفوعين بسيف الخجل من اقاربهم و معارفهم و فئة أخرى تذهب مدفوعة الأجر ، نحن لله و لله وحده نقول للمرشحين و الناخبين اتقوا الله ، و أجرنا على الله .