مشاهدة أولى
قبل أيام أحتفلت بريطانيا وبعض من الدول الأوروبية بمرور مئتي عام على تحرير العبيد وقد تسنى لي مشاهدة تقارير تلفزيونية مختلفة ، وأنخرط في المسيرات المؤنبة للضمير عدة
قطاعات من الشعوب الأروبية ومنها الكنيسة التي أدانت صمتها ومشاركتها في هذا الأستعباد
البشري الأليم ، وقد كانت الكنيسة جريئة ومحترمة لأعترافها وتبنيها للندم ، وقد شاهدت
أحفاد الأسياد وهم يربطون أنفسهم بالسلاسل والحديد ( كما فعل أجدادهم البيض) في معدنة
سواعد وأرجل البشر وتحويلهم الى رقيق وسجناء في آن معاً ، وقد شاهدت أيضاً أحفاد العبيد
وهم يبكون ألماً وحرقة على أجدادهم الذين تلووا بنار الإستعباد والإضطهاد .
أحفاد الأسياد يحتفلون بمشاركة أحفاد العبيد ، والضمير الحاضر سيد الموقف ،
مشاهدة الثانية
كان فيلماً وثائقيا يتحدث عن التعذيب ، وقد جمع مخرج الفيلم ومعده الضحايا مع جلاديها
، وجهاً لوجه ، وقد ابدع الفيلم في فضح أبشع أنواع التعذيب ، وأبشع أنواع إنحطاط
الضمير لمعذبي البشر ، كان الفيلمُ يضع على طاولة واحدة قلوب الضحايا التي ما زالت
تخفق إرتعاشاً وهلعاً مع الضمائر التي غابت عن روح أصحابها ، فتحولوا الى مايشبه
الآلآت الصماء والتي ايضاً كانت أدوات تم إختراعها لإنتاج الألم الذي يوقف القلب .. ،
كانت جنوب أفريقيا وأمريكا اللاتينية سيدتا الموقف في تصدر هذا الجرم القبيح ، لكن
الفيلم كان راصداً للقاءات التي تمت لطلب المغفرة من الضحايا .
إذاً هناك ضحايا وهناك طالبين للصفح وهذ ما أثار إهتمامي بالفيلم ، ضمائر ميتة تخرج من
رميمها وتعلن أنها كانت مجرمة ومدمرة وقاسية وجاهلة ، ماشاهدته ثورة في الضمير البشري ،
إعلان غير خجول بأن الأنسان أقسى مخلوقات الأرض ، يتوحش أكثر من الوحوش نفسها إذا
الضميرما أصابه خلل ، المنظومات الأخلاقية وحركات صانعي وموقظي الضمير تتحرك في كل
مكان في الدنيا .....
ما أتساءله ،
في بلدنا ( وهو مكانٌ في هذه الدنيا ) يوجد أشخاص مارسوا التعذيب ، وربما مازالوا
يمارسونة ، وبالمقابل يوجود ضحايا، هل من جرأة أن يوجد واحد على الأقل ويتقدم من أحد
ضحاياه ويطلب الصفح والإعتذار ؟ ! فقط ضمير واحد يصبح في محل حاضر ويقول كنت مخطئاً ،
كنت مضللاً ، واحد فقط يكفي عله يعلق الجرس .
أعرف أُناس هنا في الأردن تم تأنيبهم بقساوة على إنتماءاتهم وأفكارهم ، وأعرف أُناس
مارسوا هذا العذاب ، إعتذار بسيط يصفي القلوب ويوقظ الأخلاق ، ويخلق سابقة
أخلاقية محترمة.
faisalzouby@ gmail.com