أسئلة الانتخابات كثيرة وعديدة، بعضها موجه للحكومة وبعضها للهيئة المستقلة للانتخابات، وأخرى للمرشحين والأحزاب والقوى السياسية، ولكن السؤال الأكثر أهمية وأثراً موجه للناخبين، ولمجموع المواطنين فرداً فرداً عندما يقف لوحده وجهاً لوجه أمام الصندوق، ويخلو بورقة الاقتراع وهو يمسك بالقلم ويوشك أن يدلي بشهادته، لا يطلع عليه أحد إلّا الله، وضميره وثقافته الانتخابية وحسه الوطني.
تذهب مساحات كبيرة من الجدل الانتخابي إلى الحكومة، بوصفها الجهة الرسمية صاحبة المسؤولية الأولى عن صناعة البيئة المناسبة لإجراء عملية الانتخاب، وصياغة الجو النفسي المحيط بالعملية السياسية بإجمال، وتتحمل مسؤولية كبيرة في الإجراءات الانتخابية ومقدار قربها من النزاهة والحيادية والعدالة، بالإضافة إلى امتلاك القدرة على تنفيذ القانون إزاء جميع الأطراف المشاركين في العملية، وخاصة الذين يتعمدون المخالفات من مرشحين وناخبين.
وتتحمل الهيئة المستقلة للانتخابات مسؤولية الإشراف والإدارة وقد كانت تمثل حلماً ومطلباً سابقاً لدى قطاعات كبيرة من الشعب الأردني في إيجادها وإخراجها إلى حيز الوجود، ونتمنى أن تفلح الهيئة في امتلاك الخبرة والتجربة التي تؤهلها لإدارة العملية الانتخابية على درجة عالية من الاستقلالية والحيادية والحرفية مع تطور الوقت ومروره، وتكرار العمليات الانتخابية والوقوف على الأخطاء والثغرات في كل مرة بطريقة إيجابية قادرة على الإصلاح الذاتي.
هناك قسط وافر من الأسئلة لا تقل أهمية عن القسط المتعلق بالشق الرسمي، وهو ما يتعلق بالأحزاب والقوى السياسية والنخب وأصحاب الثقافة والفكر، ووجهاء القوم وكل من يتصدى للعمل العام وكل من يرشح نفسه للانتخابات، وجوهر السؤال المتعلق بهذه الفئة يقوم على مقدار الإحساس الداخلي الذي تمثله حول إمكانية الإسهام في تطوير الطروحات الفكرية، وإمكانية الانتقال نحو البرنامج، والقدرة على امتلاك خطاب سياسي متزن ينبثق من القدرة على قراءة المشهد السياسي ويمتلك حسن بناء الفكر العملي لدى الجمهور، وبناء الثقة المتبادلة بين الشعب والجمهور من جهة وبين النائب وبقية سلطات القرار من جهة أخرى.
فيما يتعلق بالمساحة الأخرى من الأسئلة والإجابات لا بد من النظر إلى دور المرشح في الجهة المقابلة في إفساد ضمائر الناخبين، وفي إفساد الجو الانتخابي، عن طريق استخدام المال الأسود بطريقة مشؤومة، أو مسؤولية بعض المرشحين عن إفساد الجو العام عن طريق اتباع أساليب تثير التعصب والانتماءات الجهوية الضيقة والنعرات المذمومة، والبحث عن الأصوات المريضة والموبوءة التي لا تتوجه عبر البوصلة الفكرية أو البوصلة الوطنية الصادقة.
لكن جوهر المسألة يتعلق بالناخب، إذ أنه يمثل ركن العملية الانتخابية الأكثر أهمية، وهو صاحب القرار في هذه المرحلة على وجه اليقين، فبعض الناخبين يتأثر بخطاب صاحب الفلوس ويقدمه على الفكر والبرنامج، ويقدمه على البرنامج الوطني، ويقدم على انتخاب هذه النوعية التي لا تملك خطاباً سياسياً، ولا فكراً ولا برنامجاً ولا حساً وطنياً، وإنما يملك شيئاً واحداً يتمثل برصيد كبير من المال قادر على شراء مرضى النفوس، من أجل الوصول إلى البرلمان لتعظيم رصيده وحماية فساده، ومحاولة البحث عن مصادر ثراء جديدة، وبعض الناخبين يستجيب لخطاب غرائزي متخلف يستثير مكامن التعصب الجاهلي، أو الانتماء الديني أو الطائفي أو المذهبي أو الجهوي الضيق، على حساب الخطاب الوطني الجامع، وعلى حساب الفكر المعتدل، والمنهج المدني القائم على المواطنة والكفاءة والقانون والدستور.
في هذه الأيام يجب التوجه لصاحب القرار وتوجيه أغلب الجهود نحوه، وصاحب القرار في هذه المرحلة على وجه التحديد هو المواطن صاحب ورقة الاقتراع، واتخاذ القرار الصائب والسديد يحتاج إلى ثقافة عامة سائدة، يصنعها المجتمع بكل أفراده ومؤسساته ويسهم في بنائها الأحزاب والقوى المجتمعية، والمدارس والجامعات والوزارات المختصة والشارع والبيت والأسرة، والأندية والمنتديات والتجمعات الشبابية والمؤسسات النقابية، والكُتاب والمفكرون وأصحاب القلم، وكل واحد فينا على ثغرة من ثغر الوطن، فلا يؤتين من قبله.
الدستور