ما تنبأ به اورويل عام 1948 عن الديستوبيا او المدينة الراذلة لم يتحقق كما اراد في البلدان التي تحكمها نظم شمولية بقدر ما بدأ يتحقق في عواصم ومعاقل الرأسمالية بعد ان بلغت ذروة توحّشها، ففي لندن وحدها نصب من الكاميرات للمراقبة في كل مكان ما أثار الفزع لدى الانجليز الذين احسوا بأنهم ينتهكون حتى النخاع، وبالمقابل ما يزال السجال في امريكا ساخنا حول ثنائية الأمن والحرية، وكم من الحرية يجب ان يتنازل عنه المواطن مقابل أمنه الشخصي .
لكن ما اثير مؤخرا حول التحقيق مع مضيفة الطيران فائزة شاهين البريطانية من اصل عربي هو نقطة انعطاف بالغة الخطورة، فالسيدة لم تقترف جريمة ولم يظهر عليها ما يوحي بأنها تهدد الامن، كل ما في الامر انها كانت تقرأ كتابا بعنوان سوريا تتحدث، وهو عن الفن والادب والانشطة ذات العلاقة بالوجدان .
تعرضت السيدة فائزة للاستجواب بسبب حملها لذلك الكتاب ولمجرد ان غلافه حمل عنوانا له صلة بالجغرافيا الاسلامية ! بالطبع لم يصل خيال جورج اورويل الى هذا الحد عندما كتب عن الاخ الاكبر الذي يتلصص على الناس حتى في الحمامات وغرف النوم، وللحظة احسست ان ثلث مكتبتي على الأقل يتسبب لي بتهمة لمجرد ان العناوين ذات علاقة بالجغرافيا العربية الاسلامية، واذا كان بعض الناس يفضلون ان يحملوا كتبا لقراءتها في القطارات او المطارات فان عليهم الان ان يقلعوا عن هذه العادة، فالكتب ادرجت في ديستوبيا اورويل في خانة الممنوعات، الا اذا كانت اعلانات عن العطور ومساحيق التجميل .
وذات يوم سيكتب مؤرخو عصرنا للقادمين ان سيدة اعتقلت واتهمت واستجوبت لأنها تحمل كتابا عنوانه سوريا تتحدث !!
الدستور