حنان العسلي الشهابي و"المرأة الفلسطينية في عهد الانتداب"
يوسف عبدالله محمود
07-08-2016 04:08 AM
من الكتب النادرة التي وثقت لنضال المرأة الفلسطينية في عهد الانتداب البريطاني على فلسطين كتاب الباحثة حنان العسلي الشهابي الصادر بطبعته الاولى ٢٠١٦ عن دار منشورات الرمال بقبرص. في مقدمة هذا الكتاب الوثائقي تقول حنان العسلي الشهابي "ان ما دفعني الى العمل على متابعة نشاطات المرأة الفلسطينية خلال فترة الانتداب البريطاني في السنوات ١٩٢٠ـ ١٩٤٨هو اهمال التاريخ المكتوب عنها، فلا نرى الا مقتطفات صغيرة هنا وهنالك" ص ١٤.
في كتابها اشادة حقيقية بدور المرأة الفلسطينينة المدينية والريفية في النضال ضد الصهيونية والادارة الانجليزية المنحازة للعدو الصهيوني جنبا الى جنب مع الرجل الفلسطيني. لقد وضعت قضية الاستقلال الوطني لوطنها فلسطين على جدول أولوياتها، فشاركت في الحركات الشعبية وفي تنظيم النشاطات النسائية المتعددة لمساعدة المناضلين والثوار.
وكما تشير المؤلفة فان المرأة الفلسطينية "من أكثر نساء العالم انغماسا في السياسة. حسها الوطني كان ولازال عاليا. "نجحت في ربط دور المرأة التقليدي بدور المرأة الوطني فبرزت ألقاب مثل "أم الشهيدة" و"أم الثورة" "واخت الرجال" ص ١٥.
يتألف كتاب حنان العسلي الشهابي من جزأين: في الجزء الاول تناولت أدوار المرأة الاجتماعية والثقافية والسياسية في فترة الانتداب. أما الجزء الثاني فيتعرض لسير وانجازات بعض الرائدات الفلسطينيات اللواتي تركن بصمات واضحة على مجتمعهن أمثال كلثوم عودة ١٨٩٢ـ١٩٦٢، وقد برزت على مستوى عالمي "وهي أول امرأة عربية تنال لقب بروفسور في الاتحاد السوفيتي، وتشغل مركز عضو في جمعية العلاقات السوفياتية مع البلدان العربية في حقبة الدولة السوفيتية السابقة. ومنهن أيضا فاطمة اليشرطية الحسنية (١٨٩٠ـ١٩٧٩). وتصفها الباحثة بأنها "زعيمة التصوف بين النساء في العصر الحديث".
ومن الرائدات التي يغطيها الكتاب: عنبرة سلام الخالدي (١٨٩٧ـ١٩٨٦) ولها بصمات في مجالات العمل الأدبي والنشاط الاجتماعي. ولا تنسى المؤلفة أسماء مثل: أسمى طوبى وفدوى طوقان وسميرة عزام وفائزة عبدالمجيد ونجوى قعوار التي رحلت مؤخرا وأديل عازر ومتيل مغنم وعندليب العمد وكاترين سكسك ومهيبة خورشيد وعصام الحسيني وفاطمة البديري وسميحة خليل وثمة رائدات أخريات كان لهن دور في بناء المؤسسات التربوية الخيرية كنبيهة ناصر واليزابيث ناصر وهند طاهر الحسيني التي ارتبط اسمها بمؤسسة دار الطفل العربي. وهناك رائدات في الفن التشكيلي رحلن عن دنيانا أمثال زلفى السعدي وصوفي حلبي ونهيل بشارة وفاطمة المحب وأخريات من سيدات فلسطين.
أسهبت هذه الباحثة في الحديث عن الدور السياسي للمرأة في عهد الانتداب البريطاني والحركة النسائية الفلسطينية. تحدثت عن بداية ظهور الجمعيات النسائية في فلسطين في مطلع القرن العشرين ومساهماتها في العمل الخيري والانساني، ومن الناشطات في هذا المجال السيدتان زليخة الشهابي وكامليا سكاكيني اللتان أسستا نواة أول اتحاد نسائي فلسطيني في القدس في سنة ١٩٢١. وكان تعاون هاتين السيدتين رمزا للتآخي الاسلامي/ المسيحي (كون الاولى مسلمة والثانية مسيحية)، أما عن نشاط المرأة خلال ثورة ١٩٣٦ فقد كان نشاطا لافتا للنظر. وهنا تشير الباحثة الى ما ذكره الصهيوني موشيه شاريت في يومياته (٢٢/٧/١٩٣٦). قال "ان هذه المشاركة أكسبت الثورة الفلسطينية طابعا ثوريا" المرجع السابق ص ٢٠٣.
لقد خاضت المرأة الفلسطينية معركة النضال منذ بدايات القرن العشرين، ومنهن من روت دماؤهن ثرى فلسطين أمثال جولييت زكا ذات التسعة عشر ربيعا ابنة حيفا المدينة الفلسطينية المحتلة والتي قتلها رصاص العدو وهي تسعف الجرحى الفلسطينين قبل تسليم السلطات البريطانية حيفا في ٢٤ نيسان ١٩٤٨ للاحتلال الاسرائيلي. ولا تنسى هنا الشهيدة "الاسطورة المعلمة الشابة حياة البلابسة" التي استشهدت وعمرها تسعة عشر عاما وهي تسعف ضحايا مجزرة قرية دير ياسين ١٩٤٨. فعند حدوث المجزرة أبت مغادرة القرية كي تسعف الجرحى فاستشهدت في أثناء اسعافها. جريحا قدر له أن ينجو ليبلغ والدتها المقعدة نبأ استشهادها!
وبعد، ان هذا الانجاز الكبير الذي أقدمت عليه الباحثة حنان العسلي الشهابي يعد بحق وثيقة تاريخية لمن يريد متابعة نضال المرأة الفلسطينية في عهد الانتداب البريطاني. في كتابها تبرز الكاتبة قدرة المرأة الفلسطينية رغم العراقيل التي واجهتها على أن تبدع ثقافيا الى جانب حملها للسلاح في سبيل وطن تم اختطافه اسمه فلسطين. لقد استغرق انجاز هذا الكتاب الذي يؤرخ لنشاطات المرأة الفلسطينية خلال فترة الانتداب وحتى عام ١٩٤٨ عدة سنوات من الجهد الموصول الذي بذلته هذه الباحثة لتقدم لنا بحثا مميزا عن نضال المرأة الفلسطينية على نحو لا يطيقه الا من امتلك مثل هذه العزيمة التي امتلكتها حنان.