الإخوان .. حصاد الحقل والبيدر
حسين الرواشدة
07-08-2016 01:30 AM
لم يطرح “الإخوان” سؤال الجدوى من المشاركة في الانتخابات البرلمانية هذه المرّة، ربما يكونون تعلموا من المقاطعة دروساً مفيدة في “اللاجدوى”، وربما دفعهم الى ذلك احساس عميق بما جرى من تحولات على صعيد علاقتهم مع الدولة وعلاقاتهم مع “اخوانهم” الذين آثروا الانسحاب او لوحوا به او الاخرين الذين ما زالوا داخل “التنظيم” ويتطلعون الى المزيد من الاصلاح، وربما حركتهم المراجعات التي قام بها شركاؤهم في “الفكرة “ ، سواء في المغرب او تونس او حتى تركيا، او الازمات التي عصفت بالتنظيم “الام” في مصر.
فيما مضى كان الاخوان حريصين على “التفاهم” مع الدولة حول عدد مرشحيهم، كان الشعار آنذاك “المشاركة وليس المغالبة”، اما الان فيبدو ان خطوط الاتصال بين الطرفين انقطعت تماما؛ ما ترك لهم فرصة الانفراد بالقرار، او التصرف بالاصالة لا بالوكالة، لإثبات الحضور وضمان الوجود ايضاً.
اندفاعة الإخوان نحو المشاركة “بزخم” كانت إذًا مفهومة في سياق اعادة الاعتبار وفي سياق الاستنفار، فالضربات التي تعرضوا لها لم تكن بسيطة، كما ان مستقبلهم، وجودهم ان شئت، مرتبط بالانتخابات والبرلمان بعد ان انسدت امامهم الخيارات الاخرى، ولهذا اختاروا تشكيل اكبر عدد من القوائم (نحو 30 قائمة) ونحو (120) مرشحا من كافة الاطياف السياسية والاجتماعية، وسمحوا لماكينتهم ان تتحرك في كافة الاتجاهات، والرسالة هنا واضحة وخاصة للدولة: نحن ما زلنا اقوياء وابوابنا مفتوحة للتحالف او للتفاهم على الاقل.
هل وصلت الرسالة؟ اعتقد انها وصلت، لكن الردّ عليها مازال معلقا، واذا كان لي ان استبق ذلك الرد في اطار التحليل فقط، فيمكن ان اتوقع سيناريوهين، الاول : ان تبادر الدولة الى حسم قضية “شرعية” الجماعة، فيصدر قرار قضائي مثلا باعتبارها “تنظيماً” مخالفاً للقوانين، ما يسمح برفض قبول ترشيح كل عضو ينتسب اليها، وهذا ما اشار اليه رئيس هيئة مراقبة الانتخابات حين ذكر انه لن يقبل اي طلب ترشيح لاعضاء الجماعة، وبالتالي فإن مثل هكذا قرار سيربك الجماعة قبل الانتخابات، وسيشغلها في عمليات الطعن او البحث عن مرشحين آخرين، كما انه سيؤثر على المرشحين الذين انضموا الى قوائمها من خارج اطارها.
اما السيناريو الثاني فيتعلق بشقين: احدهما ان تترك الدولة للاخوان الباب مفتوحاً لخوض الانتخابات كما يريدون، من اجل ان تعرف حجم شعبيتهم ومقدرتهم على انتزاع المقاعد في البرلمان، او من اجل ان يساهم حضورهم تحت “القبة” باعادة الحراك السياسي للبرلمان، وثقة الناخبين به ايضاً، اما الشق الثاني فهو ان تبادر الدولة الى تشجيع الاسلاميين الذين خرجوا من اطار الجماعة او الاخرين المستقلين على خوض الانتخابات في قوائم تنافس الاخوان، وبالتالي فان المعركة الانتخابية بينهما ستكون كفيلة –او هكذا يفترض- بتخفيض فرص حصول الاخوان على مقاعد اكثر.
من المؤكد ان الاخوان استندوا في خوض الانتخابات الى قاعدة “المصدات” حيث تضمنت قوائمهم عددا من الشخصيات الوطنية (نحو ثلثي عدد المرشحيين)، ومضمون الخطوة واضح وهو ان لا يتركوا امام الدولة فرصة للاستفراد بهم، وان حصل ذلك، فإن المواجهة ستكون مع اطراف اخرى محسوبة عليها، كما انهم استندوا الى التركيز على “الكوتات” لانتزاع اكبر عدد من المقاعد الممثلة لاوسع حجم من اطياف المجتمع، ربما يقال هنا ان هؤلاء اذا ما وصلوا للبرلمان سيقفزون من “سفينة” الاخوان، وهذا صحيح، لكن المؤكد انه لن تسقط من ذاكرتهم، ولا ذاكرة الاخوان وغيرهم ، انهم فازوا على قوائم “الاخوان” وبدعمهم ايضاً.
في المجمل سيسعى الاخوان الى كسر حاجز الـ 10% من المقاعد البرلمانية (اكثر من 13 مقعداً) وربما يتجاوز طموحهم الى ضعف هذا العدد، كما ستفترض الدولة ان حصتهم لن تتجاوز عدد اصابع اليد الواحدة من المقاعد، لكن يبقى ان الصراع على “البرلمان” سيفضي الى معادلات جديدة، او مع اعضائها الواقفين على “الاعراف” او علاقتها مع الدولة، والمؤكد هنا ان هذه المعادلات لن تعيد عجلة التاريخ للوراء، بمعنى انها لن تنفخ في روح الجماعة او تمنحها الشرعية التي انتزعت منها، ولكنها ربما تؤسس لحالة “اسلامية” حزبية من خلال دمج الاخوان في “الحزب” واستيعابهم في العمل السياسي واقصائهم نهائيا من الميادين الاخرى التي ساهمت فيما جرى من اشتباكات بينهم وبين الدولة.
يبقى سيناريو استبعده مؤقتاً، لكن اعتقد انه موجود على الطاولة، وهو تأجيل الانتخابات! قد تتعدد الاسباب التي يمكن ان ترجح اتخاذ هذا القرار سواء من جهة التباس قانون الانتخابات، او تصاعد العزوف عن المشاركة، او من جهة الاوضاع المحيطة بنا وامكانية تاثيرها على مناخاتنا العامة، لكن لا اعتقد ان الاخوان ليسوا من بين تلك الاسباب، كما لا اعتقد انهم سيكونون سعيدين اذا حصل التأجيل.
الدستور