فلسطين ومكانتها في "الفكر الجهادي"
رجا طلب
05-08-2016 07:56 PM
من الضروري الالتفات وبدرجة عالية من الدقة والانتباه لمدى التدهور الحاصل لمكانة القضية الفلسطينية خلال العقد الماضي والعقد الحالي قياساً بما كانت عليه القضية في الستينيات أو السبعينيات أو الثمانينيات من القرن الماضي. صحيح انه لم يكن هناك في تلك العقود المشار إليها انجازات عسكرية ميدانية نوعية أو سياسية ساهمت في نقل القضية إلى مراحل متقدمة ايجابياً، لكنها على الأقل حافظت على مكانتها كقضية مركزية للأمة العربية، التي تعاني اليوم من "أزمة هوية" و"أزمة جغرافيا" وتحديات الطائفية والتقسيم والحروب الداخلية أو الأهلية.
طغت مع بداية عقد التسعينيات من القرن الماضي قضية السلام العربي – الإسرائيلي على المشهد العام برمته، وعقد مؤتمر مدريد في عام 1991 ، وتمخضت عملية السلام عن اتفاقية أوسلو عام 1993 واتفاقية وادي عربة عام 1994، وكان لتلك الاتفاقيتين تأثير مباشر على القضية الفلسطينية نزع عنها صفتين مهمتين، الأولى أنها القضية المركزية حيث بات موضوع السلام مع إسرائيل مسالة خلافية أساسية داخل النظام الرسمي العربي، والثانية ناتجة مباشرة عن الأولى حيث أصبح العرب وغيرهم من الأمم في "حل" من الالتزام بما يريده الفلسطينيون أصحاب القضية بعد أن اختاروا طريقهم بأنفسهم.
في ذلك الوقت كان الأفغان العرب الذين تركوا بلدانهم "للجهاد" ضد "الكفار الروس" والمقصود الاتحاد السوفياتي وقتذاك في أفغانستان قد بدأوا العودة لبلدانهم وتحديداً في الخليج والأردن وبعض دول شمال أفريقيا، وشكل هؤلاء القادمون من جبال أفغانستان ومن ثقافة التكفير للمجتمعات التي لا تدين بأفكارهم تحدياً أمنياً صعباً وخاصة بعدما أفتى شيوخهم "بتكفير" المجتمعات التي عادوا إليها ومن أبرزهم عبد الله عزام، الأب الروحي للأفغان العرب، والشيخ الضرير عمر عبد الرحمن الذي يلقب بمفتي الجماعة الإسلامية في مصر والذي أفتى "بكفر السادات" وجواز قتله .
نفذت فتوى الشيخ عبد الرحمن بسرعة ملفتة عن طريق تنظيم الجهاد الإسلامي الذي اغتال السادات وترك محمد حسني مبارك، و المشير أبو غزالة حيّين، وهو الأمر الذي مازال يشغل بال الباحثين عبر طرح السؤال والذي مازال يطرح بقوة "لماذا اغتال التنظيم السادات وترك بقية أركان النظام المصري الذين كانوا يجلسون معه على المنصة ؟
ومازالت كلمات خالد الإسلامبولي الموجهة لمبارك ولأبي غزالة "ابعد أنت وابعد أنت إحنا عاوزين الكلب ده" التي قالها باعترافاته في المحكمة أن العملية كان هدفها قتل السادات وليس قلب نظام الحكم "الكافر" الذي أقام علاقات مع إسرائيل !
في محاكمات جماعة "الجهاد الإسلام" أمام القضاء المصري كان تبرير اغتيال السادات هو أنه "حاكم طاغية" وليس لأنه فرط في أرض فلسطين، وفي التوثيق التاريخي كانت جماعة الجهاد والتيار الإسلامي عموماً حلفاء أقوياء للسادات منذ انتهاء حقبة عبد الناصر، وكان الهم الأكبر للإخوان المسلمين ولجماعة الجهاد هو "ابتزاز " السادات لمزيد من المكاسب السياسية ولم تكن فلسطين والقضية الفلسطينية تشكل أية أولوية في فكرهم العقائدي أو السياسي بل كانت كما يقول المفكر الكبير الدكتور فؤاد زكريا في كتابه "الحقيقة والوهم في الحركة الإسلامية المعاصرة" الصادر عام 1986 عن دار الفكر بالقاهرة، هي مجرد قضية مؤجلة لأن الهدف الأساس لهم كان "القضاء على الأنظمة الحاكمة الاستبدادية لأن القضاء عليها يجعل من تحرير فلسطين أمراً أسهل" على حد تفكيرهم .
أما جماعة الإخوان المسلمين الذين تسلموا الحكم عبر محمد مرسي فلم يعيروا القضية الفلسطينية أية أهمية تذكر، وعند اندلاع الحرب الإسرائيلية على غزة عام 2012 كان أقصى ما فعله نظام الإخوان في مصر هو "وقف الهجمات" على القطاع مستنسخاً "صيغ الهدنة التي كان يكتبها مدير المخابرات المصرية الأسبق عمر سليمان".
أما المشهد للأفغان العرب في الخليج العربي فقد كان كارثياً، فكانت تلك الجماعات "الأفغانية" التي تحولت لتنظيم القاعدة لاحقاً قد أعلنت "تكفير" الحكم في السعودية وتكفير كل من يعمل مع الدولة ومؤسساتها وبدأ التنظيم بعملياته ضد الدولة وضد القواعد الأميركية، والمهم هنا أن لا فلسطين ولا القضية الفلسطينية كانت حاضرة في هذه القضية .
وفي التجربة الأكثر قرباً لنا والمتمثلة في داعش، فقد أبدى هذا التنظيم الإرهابي عدم اكتراثه بالقضية الفلسطينية، ومارس قدراته الإرهابية ضد الأبرياء في كل من العراق وسوريا وتركيا وفرنسا وبلجيكا وألمانيا، ولم يضع إسرائيل على أجندته "الجهادية" .
إن العنوان يحتاج عملياً لأكثر من مقال، بل لربما إنه بحاجة لكتاب توثيقي وعلمي يركز على مسألتين:
الأولى: أن الإسلام السياسي مجرد فكر سياسي يستخدم الدين لغايات سلطوية وحياتية .
والثانية: أن الإسلام السياسي بكل أشكاله بات أداة طيعة للاستخدام ضد "الدين الإسلامي" ومن أجل تفجير المجتمعات الإسلامية الداخلية على أسس طائفية وهو ما يحتاج لتوثيق العلاقات المشبوهة بين تلك التنظيمات والجهات التي تستخدمها بشكل مباشر أو غير مباشر ومن أبرزها إيران.