في العديد من الدوائر الانتخابية، بدأت ملامح الكتل الانتخابية تظهر للعلن على هيئة أسماء، وليس على شكل برامج. الكتل التي تشكلت تبدو مثل باقات تشتمل على ألوان مختلفة. ففي الكثير من القوائم تجد أشخاصا لا رابط أيديولوجيا ولا برامجيا أو حتى شخصيا يجمعهم.
في القوائم التي أعلن عن تشكيلها في عمان وبعض المحافظات، لا تجد أساسا واحدا أو عاملا مشتركا يجمع المرشحين؛ فهي أقرب ما تكون إلى الجاهات العشائرية التي يراعى في تشكيلها التنوع والحضور الشكلي لمشاهدة حدث لا مساحة فيه إلا لشخص واحد يتحدث باسم الجميع، في حين يمتثل بقية الأعضاء للقواعد البروتوكولية للحدث منذ تشكلها وحتى انتهاء مهمتها.
الكثير ممن يرغبون في الترشح يواجهون عقبات كبيرة في استكمال القوائم التي شرعوا في البحث عمن سينضوي تحتها. بعض هذه العقبات عائد لغياب البيانات الشخصية الموثوقة عن الشركاء المحتملين، وانعدام الدراسات والاستطلاعات التي تتناول اتجاهات الناخبين نحو العملية الانتخابية والقضايا التي تواجه الدوائر. إضافة إلى حقيقة أن بعض الراغبين في الترشح للانتخابات هم أشخاص غير معروفين للعامة، ما يجعل من الصعب تقييم أدائهم وسمعتهم وشعبيتهم.
ومن المعضلات الأخرى التي تواجه المرشحين، تلك المتمثلة في فن هندسة القائمة بالشكل الذي يحسّن من فرص نجاح القائمين على تشكيلها. فالبعض يحرص كل الحرص على أن يكون الشركاء شخصيات مقبولة في الحدود التي لا تسمح بحصولها على تأييد يفوق التأييد الذي قد يحصل عليه الراعي أو المؤسس لهذه القائمة.
في الدوائر التي يعتبر بعض المرشحين فيها أنفسهم "رؤوسا" (زعماء)، يسعى هؤلاء المرشحون إلى بناء تحالفات مع أشخاص يضيفون للكتلة رصيدا من الأصوات، شريطة أن لا يتجاوز نصيب أي منهم ما يمكن أن يحصل عليه "الزعيم".
في معظم الحالات، لا يرى الأشخاص الساعون إلى تشكيل قوائمهم خطورة تذكر من المرأة المرشحة والمرشحين للمقعد المسيحي أو الشركسي/ الشيشاني، باعتبارهم لا ينافسون أحدا في القائمة، بل يتنافسون مع مرشحين في القوائم الأخرى، مما يدفعهم إلى إدراج أسمائهم أولا كنواة للقائمة التي يجري استكمالها بعناية وحذر شديدين. والخطر الذي لا يتنبه إليه البعض يتمثل في إمكانية حصول المرأة على أعلى الأصوات في القائمة، ما يجعلها الأجدر بحصاد كل ما قد تحصل عليه القائمة أو المشاركة في نصيبها من النسبة التي حصلت عليها.
ما يحصل على الساحة الأردنية من تفاعلات ومواقف، يثير الكثير من الأسئلة حول مسيرة المجتمع واتجاهاته، ومستقبل الحياة السياسية في البلاد. فحالة غياب البرامج والقضايا عن أهم عملية ديمقراطية في أخطر المراحل التاريخية التي تمر فيها البلاد، تدفعنا للتساؤل عن نوعية المجلس الذي ستفرزه الانتخابات، ونوعية التشريعات والسياسات التي سيتم تبنيها للتعامل مع قضايا الدين العام والبطالة والاستثمار والتعليم والأمن واللجوء والموارد، والأزمات التي تتوالد بسرعة تفوق قدرتنا على الاستجابة.
عزوف الكثير من أصحاب الخبرة والكفاءة عن خوض الانتخابات، وإقبال العديد ممن لا يملكون الخبرة ولا الاهتمام بالعمل العام، ظاهرة تسترعي الانتباه، وتدفع أيضا للتساؤل حول الجدوى من تطبيق قانون الانتخاب الحالي الذي يشكل وصفة جديدة لتمزيق ما تبقى من النسيج الاجتماعي، وإضفاء الشرعية على بعض الممارسات التي قد يلجأ إليها مرشحون من أجل ضمان الفوز بما تحصده القائمة من أصوات.
في حالة غياب الأحزاب والبرامج، يبقى الخوف من أن يدخل المجتمع في حالة من تبادل الاتهامات بالغدر والخيانة، ما قد يولد هزات ارتدادية لطريقة تعاطي الناخبين والمرشحين مع قانون صمم ليعكس القوة النوعية للأحزاب والاتجاهات السائدة في المجتمع.
لم أتفاجأ بالأمس عندما أجابني أحد المرشحين المحتملين عن استفساري بشأن توقعاته، بالقول إن نتائج الانتخابات قد لا تختلف كثيرا عن نتائج اليانصيب؛ فلا أحد يعرف كيف يفكر الناس، ولا ما إذا كانوا سيصوتون، ولمن سيصوتون. كما أن كثيرا من الناس لا يستطيعون الرهان على من سيصدق الوعد ومن سيغدر من الشركاء.
الغد