ارتبط اسم قائد الحرس الثوري الإيراني الجنرال قاسم سليماني، بـ"تحرير" كافة المناطق التي تسيطر عليها قوى المعارضة المسلحة في سوريا، وعصابات فرع خدمات الإستخبارات السرية الإسرائيلية "ISIS" الملقب ب"داعش"، في العراق بشقيه الغربي "الأنبار" والشمالي "الموصل"، ولقد إستحق لقب "المحرر" عن جدارة.
هناك محرران في التاريخ وضعا بصمات نافرة في هذا المجال وهما الناصر صلاح الدين الأيوبي، الذي مارس التغيير الإستراتيجي، وأعد لمرحلة التحرير وأعاد القدس إلى حضنها العربي والإسلامي، ولقن الفرنجة درسا لن ينسوه، بدليل أن القائد الفرنسي "الجنرال غورو" عندما احتل سوريا، توجه إلى مرقد الناصر صلاح الدين وهزه بعنف قائلا :"ها قد عدنا يا صلاح الدين"؟؟!
أما الثاني فقد ظهر في أمريكا اللاتينية وهو المحرر بوليفار الذي إنسلخ عن طبقة البرجوازيين وإنخرط مع الشعوب المظلومة وبدأ بتحرير بلدان أمريكا اللاتينية مستهلا عمله المقدس بتحرير فنزويلا من الحكم الإسباني، وعاش حياة الثوار ولم يتنازل عن مبادئه ولم يهادن عدوه.
هذا هما المحرران الأصيلان الوحيدان اللذان نقرأ عنهما في التاريخ الحديث، ويبدو أن العقم استفحل في صفوف الأمتين العربية والإسلامية ولم نعد نرى او نسمع عن محرر أقسم أغلظ الأيمان أنه لن يستريح إلا في ساحات المسجد الأقصى بعد تحريره من دنس الإحتلال الصهيوني.
ما رأيناه وسمعنا به وقرأنا عنه، منذ منتصف القرن الماضي حيث تأسيس مستدمرة إسرائيل الخزرية بقرار بريطاني وقبول إقليمي، أن العرب لم يشتهروا بالتحرير ولم يخططوا له أصلا، بل أبدعوا في التسليم، وكانوا ينسحبون من أمام الجيش الصهيوني بلا كرامة ولا أدنى شعور بالخجل، وأنا هنا لا أضع اللوم على الجنود ولا حتى على بعض القادة الميدانيين، مع أنه كان يفترض فيهم أن يتمردوا على الأوامر العليا بالإنسحاب ورفض تسليم الأرض ليهود.
وهذه الحالية التي نتحدث عنها ليست ضيقة، بل تتسع لسرد طويل، وبدأت الظاهرة في حرب التأسيس عام 1948 عندما بعثت الدول العربية سبعة جيوش بقيادة ضباط بريطانيين أو محليين مرتبطين ببريطانيا آنذاك، وجمعوا أسلحة الشعب الفلسطيني ومنعوهم من القتال وقالوا لهم انهم يعيقون عملية التحرير، وان هذه الجيوش ستحرر فلسطين خلال أسبوعين، وهما المدة المفترضة للجوء الفلسطيني، لكن نحو سبعين عاما إنقضت وما تزال فلسطين محتلة والشعب الفلسطيني لا جئا مشتتا هنا وهناك ولا أمل في عودته حتى أن من تولوا قسرا قيادته تنازلوا عن حق العودة.
لم تقف الأمور عند حرب عام 1948 بل تعدتها إلى حرب حزيران عام 1967 حيث تسلمت مستدمرة إسرائيل الضفة الفلسطينية وقظاع غزة وهضبة الجولان وشريطا من جنوب لبنان وشريطا آخر من الأردن "وادي عربة"، وتكرر ذلك في حرب عام 1973 حيث حول السادات النصر إلى هزيمة بسماحه لدبابات العدو بمحاصرة الجيش الثالث، كما فعل حافظ"..." الذي أمر الجنود السوريين بالعودة من حيث أتوا بعد أن توغلوا محررين ووصلوا طبريا.
وأكملها حافظ "...." بتسليمه لبنان الذي كان يحتلها لجيش شارون الذي قضى على المقاومتين الفلسطينية واللبنانية عام 1982، وسمح لشارون بإحتلال تالعاصمة بيروت كسابقة أولى، وهو الذي الذي أسهم بتلويث الأثير بشعاراته الكاذبة أنه بعثي قومي وأن قضية فلسطين هي قضية حزبه المركزية، وقد كشفت الأيام لمن لا يكن مقتنعا بهويته إلى من ينتمي وما أصله وفصله.
ولو عدنا للمحرر قاسم سليماني، لوجدنا انه رجل مختلف، فهو حاضر في كل معركة مفصلية بين النظام السوري وداعش، وخاصة عندما يتقرر تراجع داعش كما يحصل هذه الأيام في العراق على وجه الخصوص، وسنرى تراجعه في سوريا قريبا لأن القرار صدر بشطبه مع نهاية هذا العام، وإستبداله بتنظيم خراسان الذي سيتولى أمر إيران ويحتل الكويت.
الغريب في الأمر أن رئيس وزراء العراق السابق نوري المالكي هو الذي سلم الموصل بما فيها لداعش قبل أكثر من عام، وهو الذي فعل الشيء ذاته في غرب العراق، حيث سلم الأنبار لداعش بعد أن دخلها الجيش العراق بكامل عدته وعتاده، لكن الوامر صدرت له بالإنسحاب وترك كل ما لديه على الأرض ليكون كل ذلك غنيمة لداعش.
قبل أيام وبقدرة قادر تمكن الجيش العراقي وعصابات الحشد الشعبي من "هزيمة" داعش غرب العراق، وهذه بحاجة إلى تفسير، إذ كيف تحول داعش من أسد هصور لا تقف أمامه قوة، إلى قطة مكرسحة لا يقوى أفراده على الصمود امام ميليشيات الحشد الشعبي والجيش العراقي، وبطبيعة الحال فإن إسم الجنرال قاسم سليماني كان يبرز كما قلنا عند كل معركة، وها هو إسمه يتررد حاليا بتسلله إلى العراق عبر الحدود دون المرور إلى العاصمة بغداد للإشراف على تحرير الموصل من داعش.
ما يجري بالنسبة للموصل هو ذات الفيلم سيء الإخراج الذي جرى في الفلوجة، بمعنى أنه تبادل أدوار، فكما إنسحبت قوات المالكي أمام داعش في الموصل وغرب العراق العام الماضي، فإن اللعبة الجديدة تقتضي من داعش الإنسحاب من امام الجيش العراقي وميليشيات الحشد الشعبي، بقيادة قائد الحرس الثوري الإيراني الجنرال قاسم سليماني، وقريبا جدا ستنتقل العدوى إلى سوريا لطرد داعش من هناك حسب ما هو متفق عليه، وسيكون للجنرال سليماني بصماته النافرة في تحرير العراق وسوريا من المعارضين وداعش، وهذا يعني أنه سيكتسب خبرات واسعة، نأمل أن يستغلها في تحرير القدس وفلسطين، ليعيد امجاد الماضي متمثلة بصلاح الدين الأيوبي.