تحالفات حزبية واهية في الانتخابات
د. اسامة تليلان
04-08-2016 11:44 AM
وفق قانون الانتخاب الجديد ونظام الاحتساب وعدد المقاعد في كل دائرة، ما هي الافتراضات التي ستدفع الاحزاب الى بناء تحالفات في القوائم الانتخابية على مستوى الدوائر المحلية ؟ وكيف سيتم بناء هذه التحالفات وعلى اي الاسس؟ وهل تملك غالبية الاحزاب قدرة تنظيمية على توجيه اصوات الناخبين باتجاه المتحالفين معها؟ ثم من هم المنافسين للأحزاب على مستوى الدوائر المحلية؟ وهل تملك الاحزاب قوة واضحة في منافستهم.
نظريا اتاح قانون الانتخاب بناء تحالفات على مستوى دوائر المملكة الانتخابية من خلال خوض الانتخابات بقائمة تحمل نفس الاسم في كل دائرة محلية، لكن هل يكفي ذلك لبناء تحالفات حزبية حقيقية ومؤثرة؟
على ارض الواقع اعلنت غالبية الاحزاب انها ستخوض الانتخابات عبر تحالفات حزبية بعضها يعود الى اليسار وكان اولها والاخر الى احزاب الوسط وبعضها الى التيار الاسلامي.
وحتى نتعرف على فرص الاحزاب من خلال التحالفات لا بدا من مناقشة هذه الافتراضات وجدوها للأطياف الحزبية الثلاثة، من خلال العوامل المؤثرة في مجرى العملية الانتخابية، وهي قوة المتنافسين والناخبين وما يتيحه القانون من فرص.
اولا : المتنافسين، تؤكد التجربة التاريخية الاردنية في الانتخابات ان المتنافسين الاقوياء في الدائرة المحلية بالعادة هم، اولا مرشحي التشكيلات الاجتماعية بمختلف انواعها وهذه الفئة تمتلك تنظيما ذاتيا في حشد وتوجيه الاصوات لمرشحيها. وثانيا: مرشحي التيارات ذات التوجهات والخلفيات الاسلامية التي يمتلك بعضها قدرة منافسة في حشد الاصوات وتوجيهها وبفارق كبير وشاسع عن الاخرين ضمن نفس التيار. وثالثا بدأ يزداد دور المال الاسود في التأثير على نتائج الانتخابات بنسبة ما
اما الاحزاب السياسية الاخرى من خارج هذا التيار فإنها لا تملك اي من عناصر القوة المتوفرة للمتنافسين الاخرين وفي مقدمتها القدرة على حشد الاصوات وتوجيهها نحو احد المرشحين.
ثانيا: الناخبين ، يتحكم في توجيه السلوك التصويتي لدى الناخبين في الدائرة المحلية بعدين اساسيين، وهما البعد الاجتماعي والبعد الأيديولوجي، مع الاقرار بوجود ابعاد اخرى لكن تأثيرها في النتائج يبقى محدود للغاية.
يضاف الى ذلك ان الثقافة المجتمعية لا تدعم بشكل واضح فكرة التصويت الى الاحزاب السياسية او القوائم البرامجية، كما انها تعطي اولوية قصوى للاعتبارات الاجتماعية في الانتخابات التي تشهد انتشارا هائلا لفكرة مرشح الاجماع عن التشكيلات الاجتماعية.
ثالثا :القانون، وهنا تبرز عدة ابعاد لها تأثير على تصويت الناخبين وعلى فرص المتنافسين واهمها :
• اعتماد القانون على الدائرة المحلية فقط اعاد التركيز والثقل للتمثيل الاجتماعي والثقل الأيديولوجي وتحديدا التيارات الاسلامية وربما تنحصر في واحد منها وذلك لكونها الوحيدة التي يمكن ان تنافس الالتزام الاجتماعي ليس لان لديها برنامج يستحوذ على قبول الناخبين وانما لكونها تعبر عن هوية.
• نظام القوائم النسبية والفوائد المتوخى تحقيقها لا يتناسب مع العدد المحدود للمقاعد في اغلب الدوائر.
• نظام الاحتساب مع العدد المحدود للمقاعد لا يساعد على فوز اكثر من مرشح من كل قائمة باستثناءات محدودة.
وبناء على ذلك فان القانون بصيغته الحالية يجعل من كل قائمة عبارة عن دائرة مستقلة بمقعد واحد يتنافس عليه المرشحون في القائمة باستثناءات ضيقة، فكيف يمكن بناء تحالفات حزبية بين القوى المترشحة والمتنافسة اذا كان الثمن خسارة هذا المقعد...واذا ما تم تجاوز ذلك فان الدائرة المحلية تضعف من تأثير الاحزاب ( الوسطية) في ناخبيها، وتمنح ثقلا للمرشحين الاجتماعيين وللأحزاب ذات الهوية.
وعلى افتراض ما نراه من تحالفات فانه باستثناء تحالف واحد تقوده جبهة العمل الاسلامي فانه من الصعب تنظيميا الرهان على جدوى التحالفات الاخرى التي تقوم على اساس دعم مرشح في دائرة مقابل دعم مرشح آخر في دائرة اخرى.
فاذا كان من الصعب ان يصوت ناخب لمرشح حزبه اذا كان هناك مرشح اخر يرتبط به اجتماعيا في دائرته المحلية، فكيف يمكن للحزب ان يوجه هذا الناخب كي ينتخب مرشح لحزب اخر متحالف معه. انها صورة فضائية وان حدثت لن تتجاوز عدد اصابع اليد الواحدة.
وباستثناء ربما حزب واحد معروف للغالبية فان هذه التحالفات لن تكون اكثر من تحالفات واهيه او اشبه بمشاركة في حفل علاقات عامة، لأنها في الواقع لن تسهم بشكل مؤثر في زيادة فرص نجاح المرشحين، وهكذا تكون الاحزاب قد كسبت جولة فاشلة جديدة.
وهكذا وبدلا من تعزيز التعددية الحزبية في اطار البرلمان فان القانون ربما يكون مدخلا اخرا لتعزيز هيمنة احادية الطيف الحزبي البرلماني في مقابلة تقليدية مع ممثلي التكوينات الاجتماعية، وبدلا من ان يدفع الاحزاب للمنافسة بصورة رسمية وحزبية معلنه فقد دفعها للعودة للثقل الاجتماعي للمرشح وليس للثقل السياسي او الحزبي.
ومن المؤكد ان مرد ذلك كله لا يتحمله القانون، وانما ايضا الواقع الحزبي والثقافة المجتمعية والسلوك التصويتي، لكن القانون لم يأخذ بهذا الواقع واعتمد على افتراضات غير موجوده، اذا عمليا القانون يعقد فكرة بناء التحالفات والجدوى منها وفي الاقل الاحوال يجعل من الصعب ان يكون رافعة لبناء تحالفات حزبية حقيقية ومؤثرة في هذه الانتخابات في ظل الواقع القائم لا طراف العملية الانتخابية.