ونحن لدينا دولة موازية "4"
بلال حسن التل
04-08-2016 10:24 AM
رأينا في المقال السابق كيف سيطر حلم الدولة على جماعة الإخوان المسلمين، فانعكس على هرمهم التنظيمي،و الذي صار يتطابق مع تنظيم الدولة الطبيعية، وبموازاة الهرم التنظيمي للجماعة، عمل الإخوان المسلمون على بناء دولتهم الموازية، للسيطرة من خلالها على المجتمع، ثم الدولة الطبيعية، ومصداق ذلك أن الدولة الموازية في تعريف علماء السياسة هي: شبكة من المؤسسات المدنية التي يقودها سراً تنظيم واحد، أو أنها شبكة مصالح تعمل خارج المؤسسات المعروفة وتسعى إلى السيطرة والهيمنة على المجتمع السياسي والمدني والاقتصادي والإعلام، والدولة الموازية تتجاوز منطق المؤسسات وتعمل بأطر لا مرئية.
إن كل مدقق بالتعريفات السابقة للدولة الموازية لن يجد كبير عناء ليتأكد أنها تنطبق على الإخوان المسلمين عموما، وعلى الإخوان المسلمين في الأردن على وجه الخصوص، فليس سراً أن الإخوان المسلمين وفي ظل رعاية الدولة الأردنية لهم ودعمها إياهم تمكنوا من بناء شبكة واسعة من مؤسسات المجتمع المدني،التي شكلت بمجموعها دولة الإخوان المسلمين الموازية في الأردن، بعد أن غطت نشاطات هذه المؤسسات مختلف مناحي الحياة، من خلال تنوع أنشطتها ففي مجال التعليم أقام الإخوان المسلمون شبكة واسعة من المؤسسات التعليمية، ابتداء من رياض الأطفال، وصولاً إلى الجامعات، مروراً بالمدارس والمعاهد، ومثل التعليم كذلك أقام الإخوان في القطاع الصحي شبكة من المستشفيات والعيادات والمراكز الصحية في مختلف مناطق المملكة، وبموازاة ذلك أقاموا شبكة من الجمعيات الخيرية ومؤسسات العمل الاجتماعي في مختلف المناطق والاختصاصات،كما سعوا إلى السيطرة على النقابات المهنية، التي صارت من مظاهر قوتهم ونفوذهم التي لا ينكرونه، بل يتفاخرون به، باعتبار أن سيطرتهم على النقابات مقياس من مقاييس شعبيتهم وحضورهم السياسي.
ومثل سعيهم للسيطرة على النقابات المهنية فقد سعوا إلى بناء منظومتهم الإعلامية عبر التسلل إلى مختلف وسائل الإعلام ومؤسساته في القطاعين العام والخاص، بالإضافة إلى بناء مؤسساتهم الإعلامية الخاصة بهم، المرئية والمقروءة ومراكز الدراسات والإنتاج الإعلامي.....الخ وكما هو معروف فإن الإعلام من أهم مكونات القوة الناعمة للدول الطبيعية والموازية كذلك للأحزاب والجمعيات والجماعات .
لقد وفرت هذه الشبكة الواسعة من المؤسسات التعليمية والصحية والإعلامية والاجتماعية للإخوان المسلمين في الأردن عنصراً آخر من أهم عناصر قوة الدولة الطبيعية و الدولة الموازية وقوتها، هو عنصر القوة الاقتصادية، فصار للإخوان المسلمين في الأردن قوة اقتصادية مؤثرة، ولكنها غير مرئية، باعتبارها من مكونات القوة السرية للجماعة، مثل التنظيم الخاص أو التنظيم السري، فرغم امتداد عمر جماعة الإخوان المسلمين في الأردن لعقود، ورغم امتلاكها لهذه الشبكة الواسعة من المؤسسات، فإنه من المعروف أنه ليس لدى الجماعة حساب مصرفي، ولم تقدم ميزانيتها العمومية لأية مؤسسة من مؤسسات الدولة التي تتولى مراقبة الأداء المالي والإداري للأحزاب والجمعيات والأندية...الخ، وليس سراً أن للجماعة استثمارات كثيرة بأسماء أشخاص من أعضائها ومحاسبيها، نرجوا أن لا نضطر إلى الحديث عنهم في العلن، هذا غير العقارات التي ثار حولها إشكال قانوني شهدته المحاكم بين جمعية الإخوان المسلمين القانونية والمجموعة الرافضة للترخيص والانصياع لقوانين الدولة وليس هذا مجال حديثنا،ولكن ما يعنينا هنا هو أن الاقتصاد من أهم مكونات الدولة، الموازية التي سعى الإخوان المسلمون إلى بنائها، وكانت من أهم أسباب قوتهم وحضورهم، فمن خلال المدارس والمعاهد والجامعات والمستشفيات والمراكز الصحية تمكن الإخوان المسلمون من توفير فرص عمل لأعضاء الجماعة، ولمحاسيبها، وصارت فرص العمل مدخلا من مداخل تجنيد الأعضاء والأنصار والمحاسيب، مثلما ساهمت هذه المؤسسات في تغطية الاحتياجات المالية للأنشطة السياسية للجماعة، ووفرت غطاء لمصادر التمويل الأخرى، كما صارت هذه المؤسسات مدخلاً للإخوان المسلمين إلى تفاصيل حياة الناس اليومية من جهة، والتأثير على قراراتهم وتوجهاتهم من جهة أخرى،من خلال استغلال حاجة الناس وخاصة الفقراء منهم كما ظهر ذلك واضحا في الانتخابات النيابية والبلدية، كذلك فإن هذه المؤسسات استخدمت لجمع المال من الناس، كما تم استخدامها لتعظيم الحضور السياسي للإخوان المسلمين، وهنا يبرز دور الدولة الموازية في تحقيق أهداف قيادتها السرية في السيطرة والهيمنة على المجتمع السياسي والمدني والاقتصادي في الدولة الطبيعية. وهنا يكمن أيضا الفرق بين العمل الخيري وعمل الدولة الموازية الذي يأخذ في كثير من الأحيان صورة العمل الخيري والعمل التطوعي، لكنه يختلف عنهما بأنه يتحول إلى شبكة من المنظمات التي تديرها قيادة واحدة لتحقيق أهداف سياسية، كما هو الحال في حالة الإخوان المسلمين، الذي استخدموا كل وسائل الدولة الموازية لتحقيق أهدافهم ولكن كيف هذا ما سنحاول الإجابة عليه في مقال قادم.
الرأي