الأردن لا زال يخطو نحو الدولة المدنية التي تكرس سيادة القانون على أساس مبادئ العدالة والمساواة , فهل هو قريب من هذا الهدف ؟.
السجال السياسي والإجتماعي الدائر يدل بلا أدنى شك على مخاض , وإن كانت أصوات المحافظين المعتدلين قد تقهقرت أمام تيار يستقوي بقالب التدين (أي دين) , ويتشدد في دفع القشور التي تغلب الخلاف وليس الإختلاف على حساب الجوهر وهو ليس فقط قبول الآخر وإحترامه بل الإيمان به وبحرية أفكاره وقبل ذلك الإيمان بالدولة وقوانينها ومدنيتها.
مشروع الدولة المدنية يواجه تحديات كبيرة بدءا بالإنتخابات التي لا تختار فيها العشيرة مرشحها فحسب بل إن الأحزاب السياسية كذلك حتى جماعة المتدينين من الإخوان المسلمين والسلفيين والمعتدلين تركوا جانبا تابوهات لأغراض مصلحية لنيل دعم العشائر بإختيار من رشحتهم في قوائم أعدوها , هذا كله يجري في إطار التنافس السياسي المقبول , لكن الإختراق في جدار الدولة المدنية الطري يأتي عبر بوابة التشدد في تراشق إجتماعي تجاوز الحدود الى إطلاق الأحكام بإعتبارها حقيقة لمجرد أن منطلقاتها دينية لم تلتزم النصوص بل الأهواء والفهم المشوه.
الدولة المدنية ترمي الى تحقيق العدالة والمساواة في إطار القانون المدني وهي لا تسعى الى تحجيم القوى السياسية والمجتمعية الدينية إسلامية ومسيحية بل الى تحييد تدخلاتها ولا نقول تقليم إختراقاتها واختطافها للمفاهيم المدنية عندما ترفع شعار لا صوت يعلو فوق صوت الشريعة ( أي شريعة ) ليصبح القانون المدني هو « عتبة» التحول الى مجتمع مدني ونقطة أول السطر.
لا أحسب أن هؤلاء يريدون قيام دولة دينية في الأردن تشبه تلك النماذج الإقصائية التي أقامها متطرفون في مناطق جغرافية من حولنا لكن نهج الإقصاء قد يفعل , وما يمنع حتى الآن هو أن الأردن الذي يواجه معركته ضد الارهاب بكل صنوفه لا يواجهها فحسب بالسيف إنما بالدولة المدنية التي تحترم الدين ولا تقبل التشدد فيه وتهتدي بتعاليمه ولا تأخذ بمغالاة البعض كما يفهمها من مفاهيمه.
الأردن ليس دولة دينية وهو لا ينكر الدين , لكنه يسعى لأن يكون دولة مدنية تتجذر فيها مفاهيم الديمقراطية وحرية الرأي والشعائر دون تطرف وبلا عزلة ولا تجريم.
الأردن ليس دولة دينية , فلا يحكمه رجال دين , ولا يتولى أئمة المساجد فيه تطبيق القانون ولا إصدار الأحكام , فلا تنتشر في شوارعه مجموعات الأمر بالمعروف ولا النهي عن المنكر ولا يؤاخذ الناس فيه على أشكالهم ولا على سلوكهم إن إلتزم ناصية الاعتدال , ولا تجبر المرأة على إرتداء الملاءات ولا لإخفاء الوجوه وليست الشريعة أساس العلوم ولا هي مبادئ متفردة لأصول الحكم وفض النزاعات.
الأردن دولة تسعى لأن تكون مدنية المواطنة وشروطها وحقوقها وإستحقاقاتها محورها ومركزها.
الراي