قبل عدة أعوام، نشر مركز الإسلام والديمقراطية ومستقبل العالم الإسلامي التابع لمعهد هدسون دراسة لطيفة، أعدها الباحث «خليل العناني» تحت عنوان «شباب الإخوان المسلمين»: البحث عن طريق جديد، خلص فيها الكاتب إلى أن الجماعة باتت تتسم بالانقسام بين الأجيال المختلفة داخلها بما يمكن أن يعزى إلى خلافات هيكلية بين جيل الشباب من جانب والحرس القديم من قيادات الجماعة من جانب آخر. أهم استخلاصات الباحث أنه يستبعد وصول الجماعة إلى مرحلة الانفجار من الداخل، أو انشقاق الإصلاحيين عن الجماعة لتكوين حزب سياسي على غرار حزب الوسط الذي أسسه «أبو العلا ماضي» بعد انشقاقه عن الجماعة.
يقسم الكاتب جماعة الإخوان المسلمين إلى أربعة أجيال رئيسة، الأول جيل الحرس القديم وأعمارهم بين 60 و80عامًا ويتبنون تجاهًا محافظًا سياسيًّا وإيديولوجيا، أما الجيل الثاني للجماعة فيطلق عليهم الكاتب «البرجماتيين» وهم أعضاء الجماعة الذين نشأوا خلال فترة التصالح السياسي بين الإخوان والرئيس السادات في السبعينيات والثمانينيات وغالبيتهم في الخمسينيات من عمرهم ويميلون للواقعية السياسية والبرجماتية فيما يتعلق بالعلاقة بين الإخوان والمجتمع، في حين يضم الجيل الثالث للإخوان من يلقبهم الكاتب بـ»التقليديين الجدد» الذين شهدوا صدام الجماعة بنظام الرئيس مبارك بداية من التسعينيات والمحاكمات العسكرية لقيادات الجماعة عام 1995 وهم من المحافظين سياسيًّا ودينيًّا ويدعمون الطابع السري المغلق للجماعة وضرورة اتباع رأي قادة الجماعة والامتناع عن معارضته، ويأتي جيل الشباب في المرتبة الرابعة وتتراوح أعمارهم بين العشرينات والثلاثينات ويتسمون بالانفتاح على الاتجاهات السياسية الأخرى ويؤيدون تفعيل النشاط السياسي للإخوان والاندماج في الحياة السياسية أكثر من تأييدهم للنشاط الدعوي أو توسيع قاعدة الجماعة. كما يؤيدون تحويل الجماعة لحزب سياسي والسعي لإقامة دولة ديمقراطية مدنية في مصر وليس دولة إسلامية دينية بما يمكن اعتباره اختلافًا جوهريًّا عن توجهات قيادات الجماعة من الحرس القديم.
وفي ظني أن هذا التقسيم يمكن أن ينسحب على معظم جماعات الإخوان في البلاد العربية، مع بعض الفروق البسيطة، ما يعني أن الحركة شهدت ما يمكن أن نسميه العودة إلى أدبيات التأسيس، كحركة شبابية كانت تهدف منذ البداية إلى إعداد جيل جديد من المسلمين يؤمن بأهمية تأسيس نظام سياسي واجتماعي جديد كأحد أبعاد الرؤية الكلية لإصلاح مجتمعي غير منسلخ عن محيطه، ولكنه ذو مرجعية إسلامية، فضلاً عن أن مؤسس الجماعة الإمام حسن البنا لم يكن عمره يتجاوز 22 عامًا عندما دعا لتأسيسها عام 1928،، والحقيقة ان من يطالع حال إخوان الأردن اليوم، يرى أن ثمة تحولا بطيئا، ولكنه عميق، في المضي قدما نحو غلبة الرؤيا الأخيرة، فمسألة «حل الجماعة» جرى تطبيقها عمليا، وبشكل هادىء، وفق سلسلة قرارات رسمية، دفعت بالجماعة إلى «الاحتماء» بحزب جبهة العمل الإسلامي، الذي أصبح الإطار البديل «رسميا» للجماعة، وفضاء تحركها الحيوي، ما يعني أن ثمة قرارا بمنطق الحال لا المقال، ومن كل الجهات، بإعادة إنتاج الجماعة، وتحولها فعلا، وبشكل بطيء إلى مجرد «حزب» شأنها شأن أي حزب آخر، وبغض النظر عن مدى ملاءمة هذا التحول للحالة الأردنية، فإن ما يجري حاليا، هو تطبيق عملي واضح لتلك الرؤية، ويبدو أن هذا الأمر يروق للأطراف كافة، كون وجود الحزب الإخواني، يشكل عاملا مرجحا لإضفاء نوع من الجدية، إن لم يكن حتى «الشرعية» على صورة الدولة، وخاصة فيما يتعلق بالانتخابات النيابية الوشيكة، مع العلم أن ثمة من لم يزق يغص بهضم وجود مثل هذه الجماعة من حيث المبدأ، ولكن لا مناص من التعامل مع الواقع الضاغط، والتسليم به جبرا، ولنا عودة ربما، لمزيد من تحليل هذا المشهد، إن تيسر!
الدستور