الشكر مضاعف للجامعة الأردنية ممثلة برئاستها ومجلس عمدائها، لأنها بادرت باتخاذ قرار جريء بإلغاء احتفالات التخرج السنوية، والاستعاضة عنها باحتفال مختصر على مستوى الأقسام، كما أخبرني عطوفة رئيس الجامعة الأستاذ عزمي محافظة في محادثة هاتفية، إذ إنه أشار إلى أن هذا القرار يشكل قناعة لدى عدد كبير من المسؤولين في الجامعة منذ زمن بعيد، ولكن المسألة تحتاج إلى توسيع دائرة القناعة لدى الطلاب ولدى المجتمعات المحلية.
سوف يكون هنالك معارضون للقرار بكل تأكيد، لأن هناك من يرى ذلك مناسبة للتعبير عن الفرح، ولذلك يمكن الإجابة عن الاعتراض بالقول: إنه لا أحد يعارض مسألة التعبير عن الفرح، ولا أحد يعارض أهمية حدث التخرج وما يعنيه للطالب والأهل والمجتمع، ولكن المسألة محل الجدل هي في كيفية التعبير عن هذا الفرح دون خسائر ودون أضرار ودون آثار جانبية سلبية كثيرة يحيط بهذه الاحتفالات على هذا النحو المكلف على صعيد الوقت والجهد، ولذلك يمكن الذهاب إلى احتفالات صغيرة وعفوية على صعيد مجموعات محدودة يعرف بعضها بعضاً على فنجان قهوة وكأس شاي وحبة حلوى، بعيداً عن الاستعراضات والطوابير تحت الشمس وبعيداً عن أزمات المرور، وبعيداً عن إلحاق الأذى بالناس.
جلوس الطلبة مع أساتذتهم في جلسة هادئة ومريحة في متنزه أو مطعم واسع يتخللها بعض الأحاديث العادية والنصائح والتوصيات بلا تكلف ولا خطابات، أعظم فائدة وأكثر تحضراً من تلك الأحفال الكبرى والمواكب وأكثر تحضراً وتهذيباً في التعبير عن تلك اللحظات الجميلة، التي يتم تبادل التهاني فيها والمعلومات الضرورية في كيفية التعامل مع الحياة بعد التخرج.
الجامعة الأردنية بهذا القرار الجريء تفتحج الباب واسعاً أمام الجامعات الأردنية الأخرى من أجل إعادة النظر في هذه الاحتفالات وإعادة تقويمها، وضرورة البحث عن البدائل المريحة والأكثر بساطة والأكثر نفعاً، وأتمنى أن تحذوا كل الجامعات حذو الجامعة الأردنية في هذا السياق، وأن تعمد إلى عقد جلسات مخصصة لمناقشة هذا الحدث.
نحن الأردنيين بحاجة ماسة إلى إعادة النظر في كيفية التعبير عن أفراحنا، وفي كيفية التعامل مع المناسب مع لحظات الفرح الجميلة وعدم تحويلها إلى مظاهرات صاخبة، وجعلها سبباً في إلحاق الضرر بالمجتمع على صعيد الشكل وعلى صعيد المضمون، وما يثير الدهشة أن تسمع هتافات في مواكب التخرج أو النجاح أو الأعراس ما يدل على التطرف والاقتراب من العنف مثل : «خاوة، خاوة» أو :»إزرع واقلع باذنجان، يلعن رأس أبو الزعلان»....! نحن يا جماعة بحاجة إلى إرساء ثقافة متحضرة لطيفة وادعة تتناسب مع لحظات الفرح، وبحاجة ماسة إلى تغيير ثقافة الاستعراضات وثقافة المظاهر المكلفة الباهظة بلا معنى.
نحن بحاجة إلى احتفالات جامعية سنوية بمعارض إنجازات الطلبة وإبداعاتهم، من أجل تشجيع منهج التفكير العلمي وتشجيع الطلاب على بذل الجهد في الابتكارات المقدمة للمجتمع، ومن أجل إرساء ثقافة التنافس في المشاريع العملية، والأفكار الناجحة، وتشجيع التنافس في ميدان خدمة المجتمع، وفي مجال إنجاز البحوث العملية، وتحويل مشاريع التخرج إلى مشروعات عمل قابلة للتطبيق.
نعم، نحن بأشد الحاجة إلى تحويل احتفالات التخرج إلى احتفالات بالإنجازات والإبداعات، التي يسودها لغة العلم والحديث الحضاري الذي يتناسب مع المستوى العلمي لهذه الشريحة، ومع هيبة الجامعة وصورتها التي ينبغي أن نسعى جميعاً إلى ترسيخها وإبرازها.
الدستور