ضرورة بناء الحياة السياسية أولًا
د.رحيل الغرايبة
03-08-2016 12:59 AM
قانون الانتخاب الجديد الذي أصبح واقعاً يجب التعامل معه، هو مفصل لحياة سياسيّة حقيقية، لأنه يقوم على مبدأ القائمة الموسعة، ولا سبيل لبناء قائمة مكتملة إلّا عبر برنامج سياسي تجتمع عليه الأطراف المرشحة من أجل تقديم رأي سياسي يحظى بقبول الناخبين أو بقبول عدد كبير منهم يؤهلهم للحصول على من يمثلهم في السلطة التشريعية.
في غيبة الحياة السياسية والحالة الحزبية المقبولة، يلجأ الجمهور إلى تعبئة الفراغ من خلال العشائر والتجمعات السكانية التي ترتبط بروابط النسب أو المكان أو الانتماء الجهوي، والروابط الاجتماعية والوجدانية، واستطاعت بعض التجمعات السكانية أن تشكل بديلاً للأحزاب من حيث طريقة فرز المرشح وطريقة الإعداد والدعم في كثير من المحافظات، وما زالت العشائر هي الأكثر قدرة على التعامل مع الشأن العام، وقد خدمها قانون الصوت الواحد كثيراً في المراحل السابقة لمدة تصل إلى (23) عاماً، ما جعل العقل الجمعي يتكيف مع مقتضيات ومخرجات الصوت الواحد ترشيحاً وانتخاباً، ولكنها تجد صعوبة بالغة في التعامل مع القانون الجديد الذي يفرض وجود حالة سياسية ناضجة تظهر من خلال التجمع على الأفكار العملية، والتحزب على اتجاهات سياسية معروفة.
الأحزاب الموجودة تحاول الاستثمار في الحالة الاجتماعية المتمثلة بالتجمعات العشائرية، وتحاول المزاوجة والجمع بين التجمع العشائري والواجهة الحزبية بطريقة غير ناضجة ولا مكتملة، لأن من أفرزته العشيرة ودعمته نحو النجاح تريد منه أن يكون ممثلاً لها في البرلمان ورافعاً لاسمها، ومحققاً لها بعض المكاسب والخدمات، ولا تريد منه أن يكون ممثلاً لحزب سياسي معين بغض النظر عن أفكاره واتجاهاته، فيكون النائب أكثر إنصياعاً لمطالب العشيرة ورغباتها من الانصياع نحو الحزب ومواقفه السياسية.
الناس جميعاً أو بأغلبيتهم الساحقة يدركون تماماً من خلال التجربة، أن المجالس النيابية السابقة لم تستطع أن تشكل حالة سياسية معتبرة، ولم تستطع أن تصل إلى مراتب السلطة التشريعية التي تمثل طموح الشعب الأردني، لأن المجلس النيابي ليس مجلساً للعشائر، وليست مهمته منحصرة في تقديم الخدمات المناطقية، بل لا بد من السعي نحو تطوير هذه المؤسسة بما يليق بدورها السياسي المأمول، ولا سبيل لذلك إلّا عبر بناء حياة سياسية وحزبية حقيقية معبرة عن اتجاهات الشعب الفكرية وطموحاته السياسية في بناء دولة القانون والمؤسسات.
من خلال الانخراط في جو الانتخابات وتشكيل القوائم، يتبين لكل عاقل أننا أمام مرحلة جديدة وأمام واقع جديد، يفرض علينا جميعاً السعي للتغيير والإصلاح، من خلال تمكين الشباب وكل الطاقات الكامنة من التجمع على الأفكار والتنافس عبر البرامج العملية التي تحقق نهضة الأمة وعزتها، وهناك فرصة للشباب للبحث عن القائمة الوطنية وعن البرامج الوطني، والسعي لبناء التحالفات الوطنية والمشاركة السياسية التي تتجاوز حالة التخندق العشائري والانتماءات الجهوية الضيقة.
الأمر الأكثر أهمية في هذا السياق يتمثل بضرورة الاعتراف أن الأحزاب الأيدولوجية السابقة أصبحت جزءاً من التاريخ وهي تمثل مرحلة سابقة، وهذا لا يقلل من جهودها وتضحياتها التاريخية، ولكنها لا تصلح للمرحلة القادمة قطعاً، ومن هنا يجب التفكير والمبادرة إلى الشروع في بناء حالة حزبية جديدة ترتكز على مبدأ التنافس في البرامج والطروحات العملية، بعيداً عن التنافس الديني والمذهبي والأيدولوجي، وعلى الأحزاب الجديدة أن تكون منخرطة في الحياة السياسية على وجه عملي وأن تكون جزءاً من الدولة، وتمثل حالة المشاركة الإيجابية في البناء وعملية النهوض والتطوير، ولا سبيل لبناء الحالة الحزبية الجديدة إلّا عبر تفاهم جدي وعميق بين جميع الأطراف الفاعلة على الصعيد الرسمي والشعبي، وهذا يحتاج إلى مرحلة انتقالية يتم من خلالها إرساء ثقافة حزبية إيجابية جديدة، تعبر عن ضمير المواطن من خلال صيغ ديمقراطية مدنية سليمة، وبعد ذلك يجب أن تكون القوائم الانتخابية معبرة عن هذه الحالة الحزبية الجديدة، وبغير ذلك لن يستقيم الأمر، ولن تتحقق المصلحة الوطنية العليا إلّا عبر حالة حزبية وطنية ناضجة وجادة تملك برنامجاً وطنياً مكتملاً يرتكز على التشاركية والتوافق الوطني في القضايا الوطنية المفصلية الكبرى التي لا يسوغ فيها التناقض والاختلاف.
الدستور