كذبت لدى طلبي الانتساب للحزب، فقلت ان عمري ثمانية عشر عاما، في حين انني لم اكن انهيت السادسة عشرة. فقد كان الحزب شيئاً كبيراً اشبه بالخيمة الوارفة في يوم حار، خاصة بالنسبة لاردني يريد ممارسة السياسة في سوريا.
كان الحزب بالنسبة لي بمثابة عشيرتي في مادبا.. حالة انتماء غير مقنع بهويتي القومية. وكان مدرسة ثقافية اتعلم منها ابجديات نشوء الأمم، وصعودها او انكفائها. وكان للحزب قيم اخلاقية لا يستطيع العضو تجاوزها والا وجد نفسه وقد: سقط على الطريق وكان لهذه الجملة وقع موجع.
لم يفهم صاحبنا كثيراً في المبدأ الاصلاحي الأول: فصل الدين عن الدولة، ومنع رجال الدين من التدخل في شؤون القضاء والسياسة.
ما معنى الدولة المدنية؟ هل الزواج كما تقول الكنيسة سرا مقدسا او شأنا اجتماعيا يتم تسجيله في «الأحوال المدنية».. واذا فشل يذهب الطرفان الى المحكمة.
هل سوريا الكبرى طوائف، ومذاهب، وأديان، او وحدة واحدة لها هوية قومية؟ هل هي قبائل وعشائر ومسلمون ودروز ومسيحيون وعلويون، واسماعيليون ام هي كيان واحد مصهور في مساق النهضة؟
ما هي النهضة؟ هل هي التقدم المادي الاوروبي والاميركي ام انها شيء آخر؟ ويأتي الجواب بسيطاً وعميقاً ومزلزلاً: النهضة هي الخروج من الفوضى والتخبط الى الوضوح والنظام.
بعد تجربة مريرة فكرياً قررت الانفصال عن الحزب تنظيمياً، وبقي لي ثروة هائلة من القناعات والثقافة السياسية، وحين بدأت الأحزاب الاردنية تخرج، بعد عام 1989، من تحت الأرض، أخذني صديقي وحبيب العمر سليمان عرار الى حزبه: المستقبل لأتحدث الى كوادره عن تجربتي الحزبية الفاشلة.
وحين قدمني لعدد من الرجال الذين تجاوزوا الخمسين ألمح بذكائه المعروف ان طارق ليس بعيداً عنا.
وحين انتهيت من مقدمة موجزة، وطلبت مناقشة جادة لتجربتي الفاشلة داهمتني اسئلة لم اكن اتوقعها، لكنني اكتشفت انها كلها تذهب الى التشوق لعقيدة شمولية تعيد تركيب الانسان ذهنياً وعملياً..
.. وخرجت من «المحاضرة» بنتيجة ما أزال أتابعها في الأحزاب الوطنية الاردنية التي نافت، كما سمعت على الخمسين حزباً وذلك بعد «التحول الديمقراطي» الذي تبع ربيع معان.
الآن هناك انتخابات نيابية بقانون جديد، وستتبعها انتخابات الحكم المحلي والبلديات وهذه ظاهرة مثيرة اذا اضفنا لها انتخابات النقابات والجمعيات المدنية والأحزاب ذاتها، فهذه الشبكة من الخيارات الشعبية، لا بدّ وأن تكون مشروع نهضة اذا اخذنا بتعريفها القديم وهي: الخروج من التخبط والفوضى الى الوضوح والنظام.
لكن المؤسف، ان بدايات المعركة الانتخابية النيابية، لا تشير الى مشروع نهضوي، بقدر اشارتها الى المزيد من التخبط والفوضى.
اعان الله عبدالله الثاني، فهو أكثر الناس اهتماماً بالأحزاب والانتخابات والنهوض الديمقراطي، فعبد الله وحده خارج عقدة الحكم العربية: فالحكم عنده هو شراكة شعبية تحمل همّ الوطن ومستقبله، فالديكتاتور هو الذي يملك جنون الحكم لوحده.
الراي