دول (الاعتدال) أمام فرصة تاريخية لفرض (املاءات) عربية على الغرب
محمود الداوود
01-04-2007 03:00 AM
السعودية تعود لزعامة الدول العربية
دول (الاعتدال) أمام فرصة تاريخية لفرض (املاءات) عربية على الغرببعد قمة 1976 القمة الوحيدة التي استضافتها المملكة العربية السعودية، وبعد عدة (زعامات) لدول عربية أولها لمصر، وبوجود زعماء عربا كانت لهم كل التأثيرات على السياسة العامة في الوطن العربي أمثال جمال عبد الناصر وحافظ الأسد وياسر عرفات وصدام حسين والحبيب بورقيبة والملك المغربي الراحل الحسن الثاني والراحل الكبير الملك الحسين بن طلال، بعدهم دخلت المنطقة في دوامة الأحداث، ونتيجة متغيرات دولية عديدة، علت أصوات (التطرف) والجماعات المسلحة والتدخلات الإرهابية والحروب في المنطقة، حتى أصبح الوضع العربي معقدا لأبعد مدى بسبب التدخلات الخارجية وأهمها الولايات المتحدة الأمريكية التي تدخلت عسكريا وسياسيا وأمنيا، وأحيانا اجتماعيا، حتى وصل الأمر إلى (تورط) أمريكي في المنطقة لا تعرف كيف تخرج منه، وبعد (هزيمة) إسرائيل في جنوب لبنان، واندثار آخر الزعماء الإسرائيليين (حقدا) والمؤثرين في القرارات الإسرائيلية (شارون) وتحول السياسة الإسرائيلية إلى سياسة ضعيفة أمام وجود أمريكي (فعلي) في المنطقة وتلاشي الدور الإسرائيلي الذي أضحى كأنه ظل ضعيف غير مؤثر.. وتنامي القوة الأوروبية، وجدت بعض الدول العربية وهي ما تسمى الآن بدول الاعتدال (الأردن، مصر، الإمارات، والسعودية) إلى جانب دول أخرى تميل للاعتدال، فرصة لها كي تقول كلمتها للعالم وكي تثبت للدول العربية أن ما كانت تدعو إليه في سياساتها هو الصحيح، وأن الاعتدال قادر على (حلحلة)الكثير من الأمور المعقدة.. وأن التزمت في القرارات لن يفيد أحدا بل سيجر المنطقة إلى مزيد من النزاعات والصراعات.
ومن هنا فقد آن الأوان لهذه الدول الأربع أن تطرح املاءاتها بكل وضوح وأن تخاطب الغرب بلغته ولغتها، وأن توفق بين وجهات النظر بما يرضي كافة الأطراف العربية والغربية، وهذا ما سعت إليه هذه الدول في تحضيراتها للقمة واجتماعها مع الأطراف التي تشهد نزاعات أو صراعات ومحاولة تقريب وجهات النظر كما جرى مع الفلسطينيين والبدء في مشروع مماثل مع اللبنانيين، وفي الاجتماعات المكثفة مع عدة دول على مستوى القمة وعلى مستوى الوزراء.. وأيضا جاء خطاب جلالة الملك عبد الله الثاني في واشنطن أمام الكونجرس الأمريكي محرك للدور الأردني ولدول الاعتدال لتكون وجهة نظرها موضع المناقشة الدولية وهو ما تسعى الولايات المتحدة الآن إلى الأخذ به، فقد أدركت انه لابد من إشاعة السلام في السلام في المنطقة حتى تستطيع أن تعيد ثقة الآخرين في سياساتها، وخاصة بعد أن تحركت (روسيا) باتجاه الشرق الأوسط في محاولة على ما يبدو لإيجاد دور روسي وأوروبي في المنطقة يحل محل الدور والتأثير الأمريكي، مما حدا بأمريكا إلى الإسراع في إيجاد حلول سريعة سياسية مكثفة لبسط الهيمنة من جديد، ولأن دور الولايات المتحدة مشكوك فيه فان أحدا لن يهتم بما تقوم به الولايات المتحدة، فإذن الدور الأمثل للقيام بالدور المعتدل، غير المتشدد هو الذي من الممكن أن تقوم به دول الاعتدال لتنأى بالمنطقة عن أي صراع جديد، ولتحقيق السلام المنشود (الذي لن يأتي بين ليلة وضحاها بالتأكيد) لكنها قادرة على البدء به انطلاقا من مبادرة السلام العربية التي طرحتها المملكة العربية السعودية عام 2002، لجر المنطقة إلى الهدوء والسلام والبدء في التنمية الحقيقية وتحقيق مصالح مشتركة بين الشرق والغرب والاندماج الاقتصادي والتطور الاجتماعي فتكون المنطقة أنموذجا لتلاقي (الحضارات) و (السياسات) و (الأديان) و (الديمقراطية) و (التعاون والتبادل التجاري) وغيرها من الأمور.
هذا الأمر يتطلب وجود دولة عربية كبرى تقود هذه المنطقة كزعامة وهو الدور الأقرب الآن للسعودية، وهي تجد التوافق السياسي معها من قبل دول الخليج والأردن ومصر وتأثيرها السياسي أيضا على لبنان وسوريا والجماعات السنية في العراق، وقدرتها على الشراكة مع الغرب وما تحمله لها دول المغرب العربي من تقدير واحترام، ناهيك عن العلاقات الشخصية التي تربط خادم الحرمين الشريفين بكل الزعماء العرب دون استثناء، السعودية قادرة على استعادة دور الزعامة العربية الذي لم تتركه أصلا ولكنها تخلت عنه نتيجة انشغالها بما كان يجري ومطاردتها للإرهابيين، ووجود حروب في المنطقة طغت على أحداث الاعتدال والسلام.. ولما كانت يد واحدة لا تصفق فان السعودية بحاجة إلى دعم عربي واسع لتحقيق هذه الزعامة ودورها وتأثيرها وهذا ما تجده الآن إماراتيا وأردنيا ومصريا على وجه الخصوص، والسعي نحو تقوية دور جامعة الدول العربية لتقوم بدورها وواجبها تجاه القضايا العربية.
إن القمة العربية التي عقدت في الرياض حققت نجاحا في الإعداد والقرارات التي بحاجة إلى متابعة حثيثة، ستتولى الرياض وعمان والقاهرة القيام بها مع جامعة الدول العربية، مما يعني أن حراكا سياسيا جديدا ستشهده المنطقة للوصول إلى حالة من الاستقرار وإلا فان الوضع سيتحول إلى انفجار لا يمكن الحد من شظاياه.. وان كنا نرى أن تماسكا عربيا يجب أن يحدث فورا في ظل الأخبار والمستجدات بين أمريكا وإيران، وبين ضربة عسكرية محتملة ضد إيران تستدعي وحدة عربية في مواجهة مثل هكذا خطر، وكما قالت (يافطات) القمة: (الوحدة في الحق قوة).. والبداية تنطلق من الزعماء العرب أنفسهم الذين حملهم خادم الحرمين الشريفين مسؤولية ما يجري من تخل عن الدور العربي في التصدي للقضايا الإقليمية والعربية، داعيا إياهم إلى فتح صفحة جديدة في التعامل مع هذه القضايا..
إن قمة الرياض وتولي السعودية رئاسة الدورة الحالية للقمة من شأنه أن يحقق الجديد.. وقد اختارت المملكة العربية السعودية التوقيت المناسب لإعادة زعامتها في وقت تبدو فيه الأقرب إلى كل العرب في ظل وجود خلافات خفية وعلنية بين العديد من الدول العربية، والسعودية وحدها الأقدر على أن تتولى دور الوسيط في حلها إلى جانب دول أخرى لها دورها المساند القوي في العمق العربي كالأردن ومصر.. نأمل حقا أن تظهر نتائج القمة على أرض الواقع بعد أن انتهت اجتماعاتها وحان وقت تنفيذ قراراتها.
modor@maktoob.com