الاستقالة كمسؤولية أدبية .. منهج لمكافحة الفساد
27-08-2008 03:00 AM
المقولة الساخرة لاستحالة اجتثاث الفساد والمحسوبية والشللية والانتقائية والمزاجية وقائمة مسميات وأذيال الفساد الوظيفي والإداري والمالي في المؤسسة العامة ، لا تفيدنا للتوقف عندها مكتوفي الأيدي متشدقين استهزاء ، وتلك المقولة هي ( أنت بحاجة الى واسطة من أجل القضاء على الواسطة ) ، ولعل اعترافات أحد رؤوساء الوزرات الاردنية إن الواسطة في الاردن هي ثقافة متجذرة ، تنبئ عن مدى تردي الوضع الأخلاقي للمسؤولية العامة عند كثير من زعاماتها ممن يفتحون النوافذ الخلفية للإستفادة الخاصة لذويهم ومحاسيبهم .
في الأمس أطاح خبر الزميلة ( العرب اليوم ) عن إحالة الشركة البريطانية الحاصلة على امتياز إنشاء المنطقة الصناعية في العقبة عطاء وضع التصاميم الهندسية الفرعية على مكتب عمان للاستشارات الهندسية المملوك ( لمدام أبو الغيدا ) أطاح بالقناع البرّاق للزعامة الوظيفية الصارمة عند كثير من المسؤولين من الفئة ـ أ ـ في الحكومة الاردنية وما يعادلها ، ولعلي أحلم إذ أتوقع إن هناك آخرون ارتجفت أرجلهم عند سماعهم بخبر التدخل السريع للذهبي باشا بوقف هذه المهزلة التي لا تؤشر سوى الى مفهوم واحد هو الاستسخاف بالشرف الوظيفي والأمانة الوطنية والمصداقية الرئاسية للمؤسسة .
طيلة أشهر مضت وردت لنا كثير من الأخبار من شهود ثقات عن كثير من التجاوزات التي تحصل هنا وهناك ، ولكن عدم تدعيم المعلومة بالوثائق يثبط مهمة الكشف عن تلك التجاوزات عن طريق نشرها ، ولعل أهم شائعة كانت عن تغيير مكتب رئيس المفوضية بكلفة بلغت 35 الف دينار فضلا عن تغيير السيارات المخصصة له ، وهذا كله قدرناه في سجل التشكيك والغمز من قناة الإنجاز قبل أن تدور عجلته ، ولكن اليوم وبعد خبر العرب اليوم ، سيصبح من العار أن تبقى المفسدة حية تستيقظ مع إشراقة شمس كل يوم .
هناك شيء في الحياة أسمه الخجل ، كما إن هناك أخطاء تحدث دائما ، وهناك الفضيلة ، وكما قيل الإعتذار عن الخطأ فضيلة ، وأفضل من الاعتذار هو التراجع عن الخطأ ، ولأن الواقعة ليست خطأ ، بل مخالفة دستورية وقانونية ، فقد وجب إقامة الحد الأخلاقي على مرتكبها ، إن لم يطلب هو التقويم والإقامة ، وهذا سيسجل للحكومة ولرئيس سلطة العقبة كبادرة كريمة في تجذير المسؤولية الأدبية والأخلاقية للمسؤول الأول في المؤسسة الرسمية الأردنية وحتى لا تأخذ المهندس أبو غيدا العزة بالأثم ، فسوف نذكره بزملائه في الحكومة البائدة حين قدم وزيري المياه والري والصحة استقالتيهما بعد ( المنشية غيت ) وكلنا يعرف إن الوزراء ليسوا هم من يقوم بتعقيم المياه أو مداواة المرضى ، ولكن المثل الشعبي يقول ( اللي مو قد الحِمل ، لا يبرك إله ) ..
وعليه فإن الوزيرين سجلا سابقة في استقالتيهما مع التحفظ على ظروف الاستقالة .. لذا فمن الأزكى والأشرف لمعاليه أن يصدع للشرف المهني والقسم الوظيفي ، والخلق العام ، ويلملم حاجياته ، ويجمع أوراقه ، ويضع عصاه على كتفه ، ويسير قادما الى عمان عبر الطريق الصحراوي الذي جاء به الى العقبة التي تراجعت الحياة الشعبية فيها ، وتعالت أصوات ساكني الأحياء الشعبية فيها ، جرّاء تراجع الخدمات والعيش تحت خوف الترحيل من عشوائياتهم .
ولأن معالي المهندس أبو الغيدا هو بالضرورة مسؤول مسؤولية أدبية ملزمة ، فحري به وبنا أن نتذكر المسؤولية الأدبية التي تحملها طلبتنا الأردنيين الذين يدرسون في الجامعات اللبنانية خلال الأحداث الأخيرة في بيروت بعد احتلال قوات حزب الله للمدينة ، حيث خاطر جميع الطلبة وأعضاء السفارة بحياتهم ، من أجل أبن المهندس أبو الغيدا الذي تذكر في اللحظة الأخيرة انه نسي جواز سفره في شقته، حيث قبض عليه عناصر من حزب نصر الله ،ولم يفرجوا عنه إلا بعد جهد جهيد ، ليعود فيجد جميع الطلبة بانتظاره ما أعاقهم وأخر ترحيلهم لساعات طويلة تحت القصف العشوائي ..
ألا يشفع لأبناء الأردن إنهم شرفاء الوقفة والموقف !؟ قد لا ينتهي الموضوع عند رئيس مفوضية سلطة العقبة "صاحب الفلدة الخضراء" ، أكانت الإحالة قانونية أم لا ، بل أعتقد إن ملفات كثيرة سوف تفتح عما قريب ، خاصة إن شمرّ دولة الرئيس عن ذراعيه ، وزادت مكافحة الفساد من يقظتها ، ودارت في الأفق ( أواكس ) الرقابة العامة ..
ووقف الجميع وقفة الرجال ضد كل عفن قد يصيب صحن عجينتنا ، فلنؤسس لمرحلة المحاسبة ، ولتتدحرج الرؤوس الفاسدة مهما كانت مناصبها ، ولتفتح النحقيقات في كثير من الملفات الاقتصادية والمالية في البلد .. فنحن ـ ونحن هنا ـ أبناء الاردن ممن قتلتنا رائحة الشواء بلا شويّة ، نتضور شوقا الى عدالة الميزان ، بعد أن طال علينا زمان الفرجة والصمت الموجع .
نقول هذا حتى لا تتكرر مشاهد لا نريدها تذكرنا في آخر المطاف بالرئيس الفلبيني جوزيف استرادا ، أو رئيس الوزراء الاندونيسي عبدالرحمن واحد ، أو أعضاء حكومة عراق ما بعد البعث ممن لجأوا الى الغرب جراء مطاردتهم بتهم الفساد والإفساد ..
ونرجو الله أن لا ينطبق علينا قول الرسول عليه السلام حين قال : " إنما أهلك من كان قبلكم اذا سرق فيهم الشريف تركوه واذا سرق الضعيف اقاموا عليه الحد .. والشريف المقصود هنا هو المسؤول القوي والزعيم ذي العصبة والمنعة . Royal430@hotmail.com