هذا هو السؤال الجوهري بالنسبة لكل أشهر السنة , ولكل نشاط ثقافي في بلدنا, وليس بالنسبة لرمضان الكريم فقط وللتلفزيون الأردني. هل نرى الأردن من وجهة نظر الاستشراق الغربي والأيديولوجيات المعادية أم نراه من وجهة نظر أبناء البلد وأبناء التجربة الوطنية ?
إدارة التلفزيون الأردني اختارت مسلسلة " لورنس العرب " التلفزيونية لكي تعرضها في الشهر الفضيل حين تتركز المشاهدة الجماهيرية, بدلا من مسلسلة " عوده أبو تايه" . وذلك بحجج تثير المرارة أكثر مما تثير الاستهجان: ثمن الحلقات, اجتذاب الاعلانات, أوقات العرض.... وقد تبين أنها , جميعها , حجج غير صحيحة. فثمن الحلقات معقول, والاعلانات تأتي للمشاهدة العالية , وأوقات العرض, مثلما أوضح منتج المسلسلة , حرة.
لكن, بغض النظر عن الأسباب والادعاءات, هل من الجائز إخضاع قرار ثقافي حول تاريخ البلد لمعايير تجارية?
أمره عجيب التلفزيون الأردني . فهو , من الجهة المهنية , تلفزيون رسمي فائت , بلا حرية ولا تعددية ,لكنه , في الوقت نفسه, يسير وفقا لاعتبارات تجارية لا تأخذ بالاعتبار القيم الثقافية الوطنية ! ولم لا ? أليس هذا هو الوضع العام في البلد , حيث يمتزج احتكار السياسة بخصخصة الاقتصاد والثقافة?
لا أعرف كيف لا ترتجف يدا مسؤول في التلفزيون الأردني وهو يوقع على رفض مسلسلة اسمها عوده أبو تايه ? وكيف يجرؤ على مناقشة تجارية أو إدارية لقرار يتعلق بعرضه , أي يتعلق بمسعى درامي لتقديم إحدى أجمل وأهم الأساطير الأردنية الحديثة, أبو تايه والصحراء والبندقية والثورة العربية والوطن الذي يتأسس من رمال القرون الغابرة , ليدخل إلى القرن العشرين دولة بحجم الأردن?
كان على أصحاب القرار في التلفزيون الأردني, التوقف مليا عند المسلسلة, واسشارة متخصصين ومثقفين, لكي يقرروا ما إذا كان العمل الفني يوازي قامة الفارس الأردني أبو تايه, ولكي يضغطوا على المنتج من أجل معالجة أي خطأ تاريخي أو درامي ـ إن وجدا ـ ولكن مناقشة أسطورة الصحراء الأردنية من وجهة نظر الإعلانات, تجعلنا نسأل إلى أين يسير بلدنا? وهل بقي فيه مكان للثقافة الوطنية والقيم الكبرى أم أنه أصبح أسيرا للبزنس وعقلية البزنس وثقافة البزنس?
لكنني أخشى , فوق ذلك, أن يكون استبعاد مسلسلة عوده أبو تايه من الدورة البرامجية الرمضانية , قرارا سياسيا وهكذا تصبح الطامة اثنتين: أي أننا بإزاء قرار سياسي يثير التساؤلات وإزاء تبرير يستند إلى هيمنة ثقافة البزنس , بحيث يصبح مقبولا طرح المسائل المتعلقة بالثقافة الوطنية من وجهة نظر تجارية, من دون اعتراض مبدئي على المعايير نفسها.
سنعرض عن التلفزيون الأردني ونتابع مسلسلة عوده أبو تايه حيث سيتم عرضها في الفضائيات العربية, وستجتذب جمهورا أردنيا مضاعفا إلى شاشات أكثر احتراما للمشاهد الأردني, إلا إذا اتخذ رئيس الوزراء القرار السياسي الصحيح بإجبار إدارة التلفزيون على عرض المسلسلة , وفي وقت الذروة , من أجل الذاكرة التاريخية لا من أجل الاعلانات.
العرب اليوم.