الوطنية بين الحقيقة والاستغفال
د.رحيل الغرايبة
28-07-2016 01:47 AM
من أكثر القضايا التي تستحق التوقف والبحث والدراسة المعمقة، ومن ثم العلاج والتعامل بحزم تلك التي تتمثل باللجوء إلى التمسح بالوطنية ورفع شعاراتها والتغني بها بطريقة تكتيكية موسمية، حيث تلجأ إليها بعض القوى في حالات الضعف من باب التذاكي والمرونة السياسية والانحناء للعاصفة، بينما في حالات الشعور بالقوة والتمدد الشعبي يتم اتهام من ينادي بضرورة إنجاز المشروع الوطني واشتقاق البرامج الوطنية العملية بأنه إقليمي ومتأردن ومتعصب، أو يتهم بأنه مخالف للدين ومقتضيات العقيدة، أو أنه من باب الاعتراف بحدود (سايكس بيكو).
مع أن «الوطنية في كل دول العالم تشكل ركناً أساسياً في المواطنة وتعبر عن جوهر الانتماء الأصيل المقترن بالفطرة الآدمية التي لا تحتاج إلى وعظ، ومزيد من الشرح والاقناع، لأن الأحزاب السياسية والقوى المجتمعية تتنافس في خدمة أوطانها ورفعة شأنها والتضحية بالغالي والنفيس من أجلها، وهذا أمر مفروغ منه فكرياً وأيدولوجياً ودينياً، لأن الدين يعتبر حب الأوطان من الإيمان وأن الدفاع عنها واجب شرعي، ومن يقضي في سبيل حمايتها فهو في أعلى مراتب الشهادة التي تستحق التكريم في الدنيا والآخرة.
يجب الحذر الشديد من بعض القوى السياسية والأصوات التي تقلل من شأن الوطن، أو الانتقاص من شأن الدولة الأردنية تحت أي غطاء أو تبرير، ومن أولئك الذين يرون في الدولة الأردنية ساحة لبعض المشاريع الإقليمية أو الخارجية، أو الذين يرون بأن الأردن لا يملك مقومات الدولة، وأنه عبارة عن جزء تابع لعاصمة قريبة أو بعيدة، مما يجعل العمل السياسي قائماً على إضعاف الانتماء الوطني، والتقليل من شأن الشعب الأردني والاستخفاف بمشروعه وبرنامجه الوطني، ولا يرى في الأردن إلّا بقرة حلوباً، أو طريقاً للحصول على بعض المكتسبات المادية، أو إقامة المشاريع الشخصية وتجده لا يتحدث إلّا عن المغانم والمصالح الفردية والفئوية الضيقة.
الوطنية ليست شعاراً أجوف، وليست إدعاءً فارغاً من المضمون، ولا تقتصر على حمل جواز السفر وليست رقماً وطنياً فحسب، فالوطنية مضمون فكري عميق و عاطفي وجداني أصيل يخالط الدم ويمازج الأشواق بلا تكلف أو إدعاء، وتظهر آثارها الواضحة الجلية في السلوكات والحياة اليومية، وتظهر في امتلاك القدرة على تقديم الخدمة للوطن والأمة، والاستعداد للتضحية بالنفس بلا منّة أو نفاق.
الانتماء الوطني يتجلى بالتفاني في طلب العلم، والوصول إلى أعلى درجات المعرفة من أجل اكتساب المكنة الحقيقية على صناعة النهوض الوطني، والارتفاع بالدولة نحو معارج التحضر والتقدم الشامل على جميع المستويات وفي كل المجالات، من خلال الانخراط في الدولة ومؤسساتها والخضوع لسيادتها ودستورها وقانونها عن حب وطواعية، دون إهمال مسائل الإصلاح والتطوير ومعالجة جوانب الخلل أينما ظهرت وأينما وجدت.
الانتماء الوطني يعني بكل قوة محاربة الفساد والتخلص من الكائنات الطفيلية التي تعتاش على دماء الكادحين وعرق الفلاحين والحراثين الذين يصنعون مجد الوطن ويحرسونه بأهداب جفونهم وأحداق عيونهم.
الشعب الأردني سوف يكون من الوعي والنضج بحيث يكون قادراً على حماية وطنه ودولته، ولن يسمح بتكرار الاستغفال الذي تمت ممارسته ردحاً من الزمن، وسوف يكون متمسكاً بشرعيته الوطنية القادرة على كشف الألاعيب والفذلكات التي تتسربل تحت الشعارات البراقة، والاختفاء خلف الشخصيات الوطنية التي يتم استدعاؤها عند الحاجة وفي حالات الضعف.
الدستور