لماذا يكرهون محمود درويش!؟
حلمي الأسمر
26-07-2016 02:10 AM
محمود درويش ليس حالة شعرية فقط، وإن كان كذلك، ولكنه حالة إنسانية فريدة، ولو لم يكن فلسطينيا لنال جائزة نوبل وهو يضع ساقا على أخرى، فما تركه من إرث شعري يؤهله لما هو أكبر من نوبل، ومن كل الجوائز التي استحدثها البشر، بل إنه نال الجائزة التي يعجز عن الظفر بها الآلاف ممن يحترفون الكتابة، في أركان الأرض: تربعه على عرش قلوب الملايين من قراء العربية، وكثير من قراء غيرها، ممن جاد الزمان، فكان من حظ لغاتهم أن تترجم قصائده وإرثه الكتابي..
كارهو محمود درويش، من العرب، ومن معارفه الشخصيين، وبعض قرائه «العقائديين» لا يهموننا هنا كثيرا، فهم يبحثون عن أسباب لفشلهم في بعض هنات ومواقف في حياته وشعره، تعبيرا عن غيرة أو مشاعر غير سوية أخرى، ما يهمنا هنا، ما يجعل محمود درويش أحد الذين يقلقون ما يمكن تسميته «الضمير الجمعي» لسكان الكيان الصهيوني، الشوفيني العنصري، فهم يتمنون أن يكون شعر هذا الرجل «ميتا» فعلا، وغير موجود في هذا الكون، لماذا؟ يجيب عن هذا السؤال، الكاتب اليساري «الإسرائيلي» جدعون ليفي، في «هأرتس (24/7/2016) المعروف بمناهضته الشديدة للاحتلال الصهيوني للضفة الغربية وقطاع غزة، لأنه يعتقد أن هذا الاحتلال يدمر الكيان، ويعرضه لعملية حت وتآكل أخلاقي وقيمي، وما يلبث أن يقضي عليه، حتى دون مقاومة، يرى ليفي في مقال بعنوان «الأرواح الشريرة التي لن تختفي أبداً» أن محمود درويش وقصائده هما العدو الاكبر الذي يُذكر اسرائيل بحقيقتها ويكشف وجهها الحقيقي، ويقول إن «روح محمود درويش الشريرة لن تتركنا أبدا. فمرة كل بضع سنوات يحدث هنا مشهد الشياطين حول قصائده، الامر الذي يثير المشاعر ويصيب الاسرائيليين بالهستيريا الى أن يتم تشبيهه بهتلر، وبعدها يهدأ ويظهر مرة اخرى مجددا، لا مفر من ذلك، فكل الارواح الشريرة من 1948 لن تتركنا أبدا الى أن نعترف بذنبنا ونُقر بالخطأ ونتحمل مسؤوليته. نعتذر ونعوض، والأهم من ذلك نتغير. وحتى ذلك الحين ستستمر الارواح الشريرة بالمطاردة وعدم تركنا لنرتاح، وكانت إذاعة جيش العدو بثت برنامجا عن درويش، أثار كارثة في الأوساط الصهيونية، دفعت وزير الحرب الإرهابي ليبرمان للتقكير في إغلاقها بالكامل!
وسقول الكاتب أن العصب الأكثر حساسية في المجتمع الاسرائيلي، يصاب بالهستيريا كلما حاول أحد ما الاقتراب من درويش، الذي يحاولون طمسه وانكاره بكل السبل، لكن بدون فائدة، فدرويش يلمس الخطأ الاول. ولهذا فهو هتلر. ويكشف درويش عن الجرح النازف. ولهذا فهو محظور. لو كان الاسرائيليون على قناعة أنه لم يكن هناك خطأ وأنه لا يوجد جرح نازف لما خافوا الى هذه الدرجة من قصائده. ولو كانوا على قناعة بأن كل شيء كان سليما في حرب 1948 وأنه لا يمكن سير الامور بشكل مختلف، لكان درويش جزءًا من الوسط الأدبي، لكن درويش مصمم على التذكير بما لا يريد الاسرائيليون معرفته: كان هنا خطأ كبير، اقامة «الدولة!»، بغض النظر عن عدالتها، فقد تم ذلك من خلال جريمة التطهير العرقي التي لا تغتفر، لاجزاء واسعة من البلاد. ولن يستطيع أي حرش للكيرن كييمت لاسرائيل التغطية على الأنقاض الاخلاقية التي أنشئت عليها الدولة. وقد زادت اسرائيل الطين بلة عندما لم تسمح بعودة المطرودين والفارين. ألف شهادة تاريخية، نحاول الهرب منها كمن يهرب من النار، لن تساوي سطرا واحدا لدرويش في: «إلى أين تأخذني يا أبي». حلت نهاية محمود درويش، للأسف الشديد، مبكرا جدا منذ زمن، لكن قصائده بقيت، اسألوا ريغف(وزيرة الثقافة الصهيونية) وليبرمان. حرب 1948 كانت منذ زمن. إلا أنها بالضبط مثل قصائد درويش لم تمت هنا أبدا ولو للحظة. واسرائيل لم تغير سلوكها منذئذ، ولا تعاملها العنيف والمتسيد تجاه الفلسطينيين، أبناء البلاد، ولا تهجيرهم واحتلالهم، واحيانا طردهم. في 2016 تتصرف اسرائيل مع الفلسطينيين تماما مثلما تصرفت معهم في 1948. لذلك فان درويش لا يترك اسرائيل، ولذلك هو مخيف لها لحد كبير. لأنه يكشف حقيقتها!
هكذا تحدث ليفي!يكفيك فخرا أيها الشعر الكبير، أن تكون ما كنت لهلاء القتلة!
الدستور