حرية الصحافة نكتة قد تقود في عالمنا العربي من يطلقها الى السجن او فقدان الوظيفة او التهميش القسري وقد تكون الكتابة عن حرية الإعلام تكراراً للعديد من المقالات التي كتبت في هذا الموضوع الذي يستحق المتابعة الحثيثة في ظل التحولات الجذرية في مجتمعاتنا, وضرورة تفعيل الحرية الإعلامية لتنسجم مع هذه التحولات , أو لتنسجم هذه التحولات معها , ولعل معظم ما دار حول هذا الموضوع تركز على توفير الحماية القانونية للعاملين باعتبار ذلك جزءاً لا يتجزأ من مفهوم الحكم الصالح الذي يَعرفُ معايير محددة لقواعد التنمية والديمقراطية على مبادئ أساسية أهمها تغليب سلطة القانون على ما عداها .
ويستوجب ذلك التشديد على أهمية أن يكون الإعلام حراً، ومهنياً، وتعددياً، لأن تفعيله كسلطة رابعة ضروري للنجاح في محاربة الفساد الذي يستشري في حال سوء استخدام السلطة. لكن القليلين التفتوا إلى حرية الإعلامي السياسية في ظل هيمنة السلطة على أجهزة الإعلام, مباشرة أو بشكل غير مباشر , وهي حرية تبدو مكبلة بالعديد من الاشتراطات ليكون ممكناً السماح بممارسة الحد الأدنى منها والمتمثل في حرية الإعلامي في امتداح السلطة وتعداد إنجازاتها والترويج لكل ما تقوم به بغض النظر إن كان صالحاً أو لم يكن .
مؤكد أنه لايمكن أن تتطور المجتمعات وتتقدم دون صيانة حرية التعبير والإعلام، ونعلم جميعاً أن حرية الصحافة تعتبر أحد أهم المرتكزات الأساسية للمجتمع الديمقراطي. لكن هذه الحرية تصطدم على الدوام بسلطة الرقيب, سواء كان رجل أمن, يقيم بشكل رسمي في اروقة الصحيفة أو مسؤولاً فيها عادة ما يكون منتدباً ليقوم بدور رجل الأمن, تحت غطاء أنه محرر أو مدقق لغوي أو حتى ساعيا يقوم بنقل الأوراق , وحتى عامل مطبعة يمكنه وقف عملية الطبع إذا أحس خطرا في مقال أو معلومة لاترغب السلطة باطلاع الجمهور عليها هذا إذا أغفلنا الرقيب الداخلي الكامن في عقل كل واحد منا , والمسيطر على قلمه .
ولا يبدو غريباً أن يرفض موظف صغير في صحيفة ما نشرمقال لواحد من المسؤولين في نفس الصحيفة لأنه يرى أن في المقال خروجاً على ثوابت ليس من حق أحد التطاول عليها, وليس مستهجناً أن يرفض الرقيب الصحفي مقالة لكاتب حر لأنه استعمل مصطلحات يعتقد الرقيب أنها لا تلائم سياسة صحيفته , وكأن المطلوب أن يكتب الجميع بنفس الكلمات وأن يحملوا نفس أفكار الرقيب العتيد أو نفس أفكار ناشر الصحيفة , وكأنه ليس مصدر قوة للصحيفة أن تحمل أفكاراً متنوعة وحتى متناقضة لأنها بالأصل موجهة لمجموع القراء وليست نشرة حزبية ليست للعامة ويتداولها أبناء تنظيم حزبي واحد .
لعل الدخول الحديث في تجربة الديمقراطية والإعلام الحر لم يمكننا بعد من إزالة ومحو رواسب الإعلام الموجه الذي كان سائداً, سواء عبر الحزب الحاكم الذي يمنع على غير المنتمين له العمل في مجال الإعلام ويحتكر هذه السلطة ويجيرها للتطبيل والتزمير والهتاف بالشعارات الحزبية, أو وزارة الإعلام التي ظلت تشكل بعبعاً يرعب العاملين في الصحف ابتداء من رؤساء مجالس إدارتها وصولا إلى أصغر مندوب فيها ومروراً برئيس التحرير وطاقمه التحريري , أو الخوف المقيم الذي يغرس في روح الصحفي والكاتب عند عتبة الصحيفة , مع أننا ندرك جميعاً أن الإعلام والصحافة وحريتها من متطلبات المجتمع الديمقراطي حيث أن لحريه الإعلام والصحافة دوراً كبيراً في نهضه الأمم. كما أن لهما دوراً رقابياً يكشف الحقائق التي يحاول البعض التستر عليها إما بسوء نية أو حفاظاً على ما يسميه مصلحة البلد مع أن كشفها مهما كان مؤلماً سيصب في النهاية في المصلحة العامة .
وندرك أن الإعلام ليس خطاً مستقيماً بل متعرج يتتصمن القليل من الفرص والكثير من المخاطر, ولعل هذا ما يخيف بعض مسؤولي الصحف ويدفعهم إلى تقمص دور الرقيب حفاظا على مواقعهم وامتيازاتهم, رغم أن الدستور يضمن حرية الرأي والتعبير , ولكن الواضح أن بعض مراكز القوى التي تعتبر نفسها فوق القوانين والدستور قادرة على أن تفرض على الصحف مواقف تتسق مع أفكارها وقادرة على منع أي صحفي أو كاتب من إبداء وجهة نظره دون أن تظهر هي في الصورة أو تتعرض للانتقاد .
لاننتحدث عن صحيفة بعينها ولا عن وسيلة إعلام محددة , ولا عن دولة محددة , لأن الواقع المؤسف يشيرإلى أن الجميع سواسية في التعدي على حق المواطن في معرفة المعلومة وحق الصحفي في كشفها, وحتى أن الصحف التي ترفع شعار الليبرالية والدفاع عن الحرية والديمقراطية , وخاصة منها الصحف الإلكترونية, ومن كل ألوان الطيف الفكري والسياسي ابتداءً بأقصى اليمين وصولاً إلى أقصى اليسار ومروراً بكل تنويعات الوسط تتشارك مع الصحف ووسائل الإعلام الحكومية في ذلك . والمؤكد أنني لست متفائلاً بأن تجد هذه المقالة طريقها للنشر , لكنه جهد من لايملك غير بذل كل ما يستطيع لكشف الحقيقة أو جزء منها لعل خطوة في الاتجاه الصحيح تنطلق هنا أو هناك .