الانقلاب التركي الفاشل .. كلام يجب أن يقال
اسعد العزوني
25-07-2016 10:15 AM
رب ضارة نافعة، فقد ظن الرئيس التركي محمد رجب أردوغان أن تطبيع علاقات بلاده مع مستدمرة إسرائيل، واعتذاره لموسكو، وتعهده بإقامة علاقات طبيعية مع دمشق بنظامها الإرهابي الحالي، سوف يشكل له حماية تحميه من عاديات الزمن، لكن ما حصل كشف له أن عودة العلاقات مع مستدمرة إسرائيل الخزرية، كانت وبالا عليه، كما أن موسكو لن تغفر له إسقاط طائرتها الحربية في عز تدخلها المسلح في سوريا دعما للنظام الإرهابي، وتحالفها مع مستدمرة إسرائيل بطبيعة الحال وكذلك نظام السيسي الذي بشر مسبقا في محفل كبير "اجتماع غرف التجارة" بوقوع إنقلاب في تركيا؟
صديقك من صدقك، ومن يحبك أبكاك، وهذا يعني أن الخطاب هنا يجب أن يكون شفافا، يكشف كل الرتوش، فسياسات السيد أردوغان تندرج ضمن نطاق المقامرة، وأولها عدم قطعه علاقات بلاده مع مستدمرة إسرائيل، ووقوفه مع غزة علانية، وهذا لا يجوز، لأنه تشبيك مع الأضداد، ومستدمرة إسرائيل "زي الفريك ما بدها شريك".
لقد دفع السيد أردوغان ثمنا باهظا لأنه أبقى على العلاقة مع إسرائيل، كما أن تسييره أسطول مرمرة لكسر الحصار المفروض على غزة، وعدم دفاعه عن ذلك الأسطول، الأمر الذي جعل إسرائيل تعترضه بالرصاص فقتلت من قتلت وجرحت من جرحت، ولم تقم تركيا بالرد على هذه الجريمة، وبالتالي سجلت مستدمرة إسرائيل نصرا مؤزرا على تركيا، ولم ننج نحن من التبعات.
كما أن موقف السيد أردوغان من الحرب الأهلية في سوريا لم يكن مكتملا من حيث التنسيق، إذ أنه كان يجب إتخاذ موقف موحد مع الشركاء لحسم الأمور في سوريا، بدلا من المواقف النارية، وشلال الدم النازف من الشعب السوري الذي توزع على بقاع الأرض وقيعان البحر وبطون سمك القرش.
أما بالنسبة للموقف من روسيا فلا أدري كيف تمت حسبة ذلك، عندما تقرر إسقاط الطائرة الروسية، مع أنني لا أدعو إلى التنازل والتساهل في موضوع السيادة القومية والكرامة الوطنية،لكن أن تنتهي الأمور بإعتذار تركي لموسكو، فهذا ما لا نقبله بالمرة لأنه إنتقاص من كرامة الجميع.
هناك قضية خطيرة يجب على السيد أردوغان أن يحسمها بسرعة مع منسوب عال من الكرامة الوطنية، وهي الدخول في الإتحاد الأوروبي، وقد بعث الأوروبيون له رسالة مفادها أن الإتحاد الأوروبي ناد مسيحي، لذلك فإنه سيكون محرما على تركيا، وعليه فإن على السيد أردوغان أن يعلن عن وقف محاولات تركيا الدخول في الإتحاد الأوروبي، وان يتجه إلى الساحة الأرحب عربيا وإسلاميا، ويقيني أننا عطشى للتقارب العربي الإسلامي، وعندها ستكون تركيا بمثابة حجر رحى، وستكون فائدتها أكبر بكثير من دخولها في الإتحاد الأوروبي، لأنها بتقاربها العربي والإسلامي ستكون لاعبا أساسيا مرحبا به، بينما في حال دخولها الإتحاد الأوروبي فإنها ستكون شبه منبوذة كونها دولة إسلامية.
رب ضارة نافعة، فالإنقلاب الفاشل الذي حصل في تركيا، يجب الإستفادة منه من أجل تحصين تركيا والحكم فيها مستقبلا، وقد إنكشف أعداء تركيا وتحالفهم من خلال منسوب الفرحة التي شاهدناها هنا وهناك، وما فجر به إعلام البعض الذي إنتزع الحكم إنتزاعا وجاء إلى العرش محمولا بولائه لمستدمرة إسرائيل.
المطلوب من القيادة التركية أولا تنظيف الجيش من المشتبه بهم في ولائهم، وسيكون ذلك صعبا، ولكن لا بد من المحاولة، على ألا يتحول الحكم في تركيا إلى حكم إستخباري بوليسي، وأن تبادر الحكومة إلى إجراء إصلاحات داخلية لإنصاف المهمشين الأتراك إن وجدوا، وبذلك يكون النهج الأردوغاني قد إستكمل مسيرته بنشل تركيا من المديونية والتبعية إلى الرفاه والسيادة، وهذا ليس صعبا على الحكم الشفاف.
مطلوب من السيد أردوغان أيضا أن يعود إلى الخطوة الأولى التي إنتشلت تركيا من واقعها السابق، وأن يؤمن بأن النجاح فعل جماعي، وأن يعود إلى تحالفه مع السيد عبد الله غول، وأن يعيد العلاقة مع العقل الداهية السيد أحمد أوغلو رئيس الوزارء السابق، وأن يكون السيد أردوغان عامل تجميع وجذب للعقول السياسية المبدعة، وأن يكون حكما لا خصما، فما حققته تركيا عظيم ويحتذى به.
لا بد من حسم موضوع الشيخ فتح الله غولن المقيم في أمريكا وصاحب الطريقة الإسلامية على المقاس اليهودي- الأمريكي، وأن يتحدث السيد أردوغان مع الإدارة الأمريكية من موقع الند لا من موقع التابع، ويضع مصالح أمريكا على الطاولة، ويلوح بورقة قاعدة إنجرليك الأمريكية، والسؤال كيف يسمح لهذه الجماعة المنحرفة عن جادة الصواب بالتمدد إقتصاديا وإجتماعيا وسياسيا وإقتصاديا في تركيا وتشكل حكومة موازية في تركيا.
ما جرى في تركيا في تداعياته أكبر من نكسة أو كسة، بل هو درس لنا نحن العرب أيضا وعلينا أن نستفيد منه وهو أن الرئيس أردوغان إستنجد بشعبه وطلب منهم النزول إلى الشوارع لمواجهة الدبابات بعد منتصف الليل، وقد لبوا النداء مع أن الأخبار كانت تفيد أن شمس أردوغان قد غربت، وأن الإنقلابيين قد إستلموا الحكم، لكن الشعب التركي حفظ الجميل للسيد أردوغان وضحى بنفسه وواجه دبابات العسكر ودحرهم، وأعاد السيد أردوغان إلى عرينه، ليمارس مهامه في حكم تركيا..
كما أن ما جرى في تركيا يشكل درسا مجانيا للحكام العرب، وعليهم أن يفهموا أن الشعب الذي يحترمه حاكمه ويعمل من أجله لن يبخل عليه بأرواحه، فالدنيا لا تستقر على حال، ولو أن الشعوب العربية كانت مصانة من قبل حكامها لما رأينا الحراكات العربية تهتف بسقوط النظام وتطلب منه علانية وبالثلاثة :"إرحل إرحل إرحل".
بقي القول "هنيئا للسيد أردوغان بشعبه الذي نصره في ساعة عسرة، وحسرة على الشعوب العربية التي باعها حكامها لأعدائها بثمن بخس وأضاعوا مقدساتها وهدروا كرامتها "؟