الدرس التركي و الواقع الأردني
عدنان الروسان
22-07-2016 04:19 PM
لم يبق أحد ربما لم يكتب او يعلق على الحدث التركي الذي استرعى انتباه العالم أجمع و لسوء الحظ فإن الغالبية العظمى من التحليلات كان رغائبيا بامتياز ، من مع تركيا و هم قلة كان الفرح يملؤ عيونهم و كتاباتهم لفشل الإنقلاب و من ضد تركيا كان يكتب و يعلق و يحلل بطرق مملوءة بالحقد و القهر و النزق لفشل الإنقلاب و ليس مهما النظر الى بعض وسائل الإعلام في بعض الدول التي انزلقت هي واعلامها الى درجات متدنية جدا من الإسفاف و الشتائم الشخصية للقيادات التركية التي تمكنت من افشال الإنقلاب.
ما يهمنا هنا أن ننظر الى تداعيات و نتائج هذا الإنقلاب على الصعيد الإقليمي و الدولي ، و فحص ردود الأفعال الدولية و انعكاسات الحدث التركي على الأردن تحديدا ، لقد كشف الإنقلاب في تركيا عن الوجه الحقيقي للعالم الغربي على الصعيدين الشعبي و الرسمي فقد كانت كل عناوين و مانشيتات الصحف الغربية حتى الرصينة منها و الأخبار العاجلة على شاشات محطات التلفزة الأوروبية و الأمريكية ترحب بالإنقلاب و تنشر الأخبار عن فرار الرئيس التركي و سيطرة الجيش و انتصار الليبرالية و الديمقراطية على الإستبداد الإسلامي للحكم في تركيا ، ثم بعد ساعات قليلة كان التراجع سيد الموقف و تبدلت المواقف الرسمية و الشعبية التي يقودها الإعلام اليميني المتطرف و اليهودي في الغرب و سادت حالة من الوجوم أمام رؤية المشهد التركي الجديد فلم يحصل في المائة سنة الأخيرة ان فشل انقلاب واحد للجيش التركي على المؤسسة المدنية و السياسية للبلاد ، كما لم يحصل أي اجماع شعبي ضد انقلاب كما حصل في تركيا حيث وقف الشعب بالكامل و احزاب المعارضة ضد العملية الإنقلابية في حين وقفت احزاب المعارضة في بعض البلاد العربية و كثير من ابناء الشعب مع انقلاب عسكري يمجدونه و يدعمونه رغم أنه أطاح برئيس منتخب و بنظام ديمقراطي وصل للحكم عبر ارادة الشعب .
لقد شاهدنا كيف ان حلفاء تركيا الأخلص و الأقرب اليها كانوا مستعدين للوقوف مع الإنقلاب و مباركته لو كان حظي بالنجاح ، و هذا يدفعنا في الأردن أن نتعامل بواقعية مع تحالفاتنا و مع موقعنا الجيوسياسي و مع المتغيرات التمتواترة و المتسارعة في المنطقة ، نعلم جميعنا أن الوضع في الأردن ليس على مايرام ، و أن ما تروج له كل الحكومات التي تتوالى على الحكم ليس الا شعارات و كلام مكرر لم يؤت أي ثمار مطلقا على الواقع المعيشي و الإقتصادي للمواطن الأردني ، كما أن الأوضاه تتدهور و تزداد سوءا يوما بعد يوم ، حالات الإنتحار التي صارت حدثا اسبوعيا عابرا لا يلفت انتباه أحد ، و الجرائم التي ازدادت بصورة مضطردة ، و حالة اللامبالاة الشعبية و الإكتئاب العام التي تسيطر على الأردنيين مع اصرار الإعلام الرسمي و كتاب الدعسة السريعة على أن الأردن ينعم بكل ما يحتاج اليه المواطن و في بعض الأحيان تصل المبالغة الى ضرورة أن يأخذ الأخرون الأردن مثالا و قدوة ، إن مستويات الفقر و البطالة باتت لا تطاق في الأردن ، و يجب ان نكون صادقين مع أنفسنا و مع الحاكم و أن نعترف أن مديات الإنتماء و الولاء باتت تتآكل لدى المواطن الأردني و أن كمية الأغاني و الأناشيد و الأهازيج الوطنية و المارشات العسكرية التي تصاغ على شكل أغان لا يمكن ان تعوض النقص الحاد في قيم الولاء و الإنتماء الشعبي ، و لا بد للمؤسسة السياسية و مجامجيع المفكرين السياسيين القريبين من صانع القرار ان يتخلوا عن نرجسيتهم و و نفاقهم و تزلفهم قليلا و أن يتحدثوا بما ينفع الناس " فأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ " صدق الله العظيم ، و النفع هنا يكون باعادة تقييم ادوات الحكم و شخوصه ، و أن ينثر الحاكم كنانته من جديد ، فيعجم عيدانها و يقصي ما فسد منها و يجد من بينها " أمرها عودا و أشدها مكسرا " و أبعدها عن الفساد و السرقة و النهب و السلب و الرشوة و العمولات و عن عاهات الفساد المحلي و الدولي لتتولى الحكم ، و لتخرج البلاد من مديونية الأربعة و ثلاثين مليارا ، و لتوقف تمويت الشعب بالضرائب و الغلاء و البلاء حتى صار الناس يتعوذون بالله من الشيطان الرجيم و من الحكومة و صارت الحكومات محل تندر و استهزاء و صارت الحكومات لا تبالي بأي استهزاء لأن الوظيفة جمعة مشمشية يخطف منها الخاطفون ما يستطيعون ثم يتقاعدون و هم يسجلون الأهداف و يزاودون بالوطنية على كل المواطنين و كأن الوطنية و الصدق و الإخلاص هم مدح الحاكم و تملقه و التقرب منه بكل الوسائل و السبل.
إن وقوف الشارع الأردني بقضه و قضيضه ضد الإنقلاب في تركيا و موجات الحب الجارف لأردوغان يجب ان تؤخذ بعين الإعتبار لدى الأجهزة المعنية في الدولة ، و أن يتم تحليل الأحداث و فهم تداعيات ما يحدث في الإقليم على الأردن إن لم يكن بصورة مباشرة فعلى صعيد التأثير النفسي ، إن الأمور لا تحل بدراسة الحكومة لإمكانية اعفاء جمركي للضباط من رتبة نقيب ، و لا يجب ان تكون ردود الأفعال الحكومية فجة بحيث تبدو بصراحة و كأنها رشوة لشريحة من ابناء الشعب و ليست تلبية لحاجات حقيقية ، عيب ان تكون ردود أفعال الحكومة بهذه الصورة ، و من المعيب أيضا أن تبقى الحكومة تتغطى بالصمت و السكوت تارة و بالمبالغة تارة أخرى في تصريحاتها تجاه كل شيء ، نحن بحاجة لأن نخرج من قميص السياسة النسورية للحكومة السابقة التي رسخت مفاهيم التملق و الكذب المستمر على الشعب و التزلف للحاكم و كأن الحاكم شيء و الشعب شيء اخر لا يتماهيان .
لسنا بحاجة لدروس من أحد في الوطنية و الولاء والإنتماء ، و نحن لا نكذب فيما نقول لأن الكذب عيب و ليس " ملح الرجال " كما هو دارج على ألسنة البعض و مفي مفاهيم الكثيرين من رجال السياسة ، الكذب عيب و لنتعلم درسا من ادارة اردوغان لبلاده ، كيف انتقلت تركيا من دولة فاسدة مدينة مفلسة الى دولة قوية و كيف انتقلت من المركز مائة و ستة عشر بين اقتصاديات العالم الى المرتبة ستة عش و صارت واحدة من اقوى عشرين اقتصادا عالميا بدخل قومي يبلغ الف ومائة مليار دولار.
لنتعلم من الدرس التركي...