الانتخابات والمشروع الوطني
د.رحيل الغرايبة
21-07-2016 02:51 AM
الانتخابات البرلمانية ليست حدثاً عادياً، بل هو حدث وطني بالغ الأهمية يتكرر كل أربع سنوات مرة، ويترتب عليه تشكيل السلطة التشريعية التي يفترض بها أنها تمثل الشعب الأردني وتنوب عنه في إصدار القوانين وإقرار خطط الحكومة في إدارة شؤون الدولة، وإقرار الموازنة العامة التي تقدم في غرة كل سنة وتمثل كيفية توزيع الضرائب التي يدفعها الشعب للانفاق في كل مجالات الحياة ومتطلبات العيش الكريم.
الأردنيون يتحملون مسؤولية فرز النواب، ويتحملون مسؤولية تشكيل وجه المجلس القادم، وامتلاك القدرة على توصيل من يحمل صوت الوطن، ويعبر عن ضمير الشعب الجمعي، ويعلي شأن المصلحة العامة، ويحرس الحق العام ويدافع عن أموال الخزينة، وحقوق الأجيال وحفظ حرياتها وصيانة كرامتها وحماية مقدراتها.
المشروع الوطني ليس مختصاً بفئة دون فئة، ولا يقتصر على جهة بعينها أو حزباً محدداً، بل هو مشروع الأردنيين جميعاً الذي يتمثل بالاستمرار في بناء الدولة الأردنية الحديثة، وتطويرها ورفع قدرات أبنائها في صناعة مستقبلهم الوطني، القائم على رفع سوية التعليم وتصحيح الوضع الاقتصادي ومعالجة مشاكل الفقر والبطالة وتعزيز ركائز الانتاج الوطني، وامتلاك القدرة على التعامل مع قضايا الإقليم بالحكمة المطلوبة.
الشباب الذين يمثلون النسبة الغالبة من عدد السكان ينبغي أن يكونوا أكثر قدرة وفاعلية في تغيير ثقافة الانتخاب، وأن يمتلكوا الجرأة على الانعتاق من جملة الأعراف والتقاليد المتوارثة في عملية الانتخاب والاختيار والفرز التي لا تقوم على أسس سليمة ومعايير صحيحة، وتتجه دائماً نحو الاختيار القائم على انتماءات جهوية ضيقة، وعصبية قبلية لا تنتمي إلى عالم السياسة، ولا تأخذ بعين الاعتبار الكفاءة والقوة وامتلاك المؤهلات السياسية التي يجب توافرها في النائب المطلوب.
نحن نمتلك ثلاثين جامعة، تخرج على مدار أربعة أعوام ما يقارب المائتين ألف خريج سنوياً، الذين يرفدون عالم الناخبين، وهم موزعون على كافة التخصصات العلمية، مما يقتضي أن يكون لهم أثر واضح وكبير ينمو بشكل متدرج في تحسين عملية الانتخاب والفرز وأن يكونوا قادرين على صناعة ثورة بيضاء في عالم القيم، وفي عالم التطوير والتحسين في مخرجات العملية الانتخابية.
فالخوف الكبير من الأجيال الشابة والأفواج المتدفقة من الخريجين أنهم غير قادرين على صناعة التغيير وغير قادرين على صناعة شروط النهضة المطلوبة، وغير قادرين على التحرر من التقاليد والأعراف القديمة المتأصلة في مجتمعنا حول علمية الفرز الانتخابي، والجنوح نحو نائب التمثيل الضيق الذي يعتمد على الواسطات أو على إسداء الخدمات الصغيرة للأهل والعشيرة.
إن الشعوب التي وصلت إلى مستويات متقدمة على صعيد التحضر والانطلاق نحو المستقبل، كان ذلك بفضل الأجيال الجديدة المتعلمة التي حملت المشروع الوطني، ورفعت شعار لا صوت يعلو فوق صوت الوطن، وكان ذلك بفضل إذكاء شعلة التنافس بين الأفكار العملية والبرامج السياسية، وإيجاد التجمعات الحزبية الجديدة التي حملت عبء النهوض بمجتمعاتها عبر امتلاك أرقى معايير العدالة المجتمعية، وتحررت من مجمل العوائق والاشكالات التي تصنع التخلف وتحرس ثقافة التعصب المزري، الذي أورث شعوبنا الارتكاس في مربعات الانحطاط والأميّة الحضارية.
الدستور