لا شك أن مظاهر العنف في مجتمعنا الأردني أضحت هماً كبيراً للناس وللسلطات معاً،
وللعلم فقط، فإن الغالبية من أبناء الاْردن بعيدون تماماً عن العنف ويلجأون دائماً الى حلول تكون في الغالب مقبولة لجميع الأطراف، ولكن ومهما تنوعت الأساليب والطرق لمواجهة هذا السيل العارم من العنف، سواءً كانت بالشدة المفرطة من القوات الأمنية، او بالتصريحات السياسية الاستهلاكية والتي تدعو الى حلول منطقية قد تكون مقبولة للجميع ولكنها غير واقعية عند التطبيق.
ولذلك، فان لم يتم فهم الأسباب المؤدية الى العنف بعيداً عن التوصيفات والتعليقات غير اللائقة وغير الحقيقية للعنف المجتمعي في الاْردن، لن نتمكن من منع او تقليل العنف في مجتمعنا، وسيستمر مسلسل العنف في حصد ارواح الأبرياء كما حصل مؤخراً في الزرقاء.
ومن هنا نبدأ بالبحث في أسباب العنف:
أولاً، منطق القوة، يلاحظ المراقب للثقافة السائدة في مدننا واريافنا وشوارعنا بأن منطق القوة هو الذي يتحكمُ في أمزجة الكثير من الناس ويعود ذلك الى أن بعض الأردنيين لديهم من الفخر بالنفس، والاسرة، والعشيرة ما يجعل البعض منهم يتعامل بكبرياء او غرور اذا ما صح التعبير عند حدوث اي نزاع او نقاش حاد، وبدون كثير من التفكير يلجأ هؤلاء الغاضبون الى استخدام العنف كوسيلة لحل ذلك النزاع او النقاش، وينطبق نفس الامر عندما يتعلق الامر بنزاع مع عائلة او عشيرة كبيره حيث يقوم أفراد هذه المجموعة بالانتقام بأستخدام العنف او اي أساليب اخرى لارهاب الطرف الاخر ... وهكذا.
ثانياً، الأوضاع الاقتصادية الصعبة والتي اثبتت الدراسات والابحاث بأنها احد اهم الأسباب المؤدية الى العنف حيث يعيش السواد الأعظم من الأردنيين تحت خط الفقر، واذا ما اخذنا بالاعتبار أن معدل رواتب الاردنيين بين ٤٠٠ و ٥٠٠ دينار، وان خط الفقر هو ٧٠٠ دينار فلا جدال أن هؤلاء وهم الغالبية لا يشعرون بالرضا وهم يعملون طوال الشهر للحصول على راتب لا يكفي احتياجاتهم، فاذا ما تعرض احدهم لموقف ما ربما لا يتطلب أن يغضب لاجله، يفقد هذا المواطن أعصابه نتيجة الاعباء المادية الثقيلة والالتزامات التي لا تنتهي فيقوم بارتكاب حماقة قد يدفع ثمنها غاليا فيما بعد، وبناءً على ذلك فالعصبية العالية قد تكون هي المولد لكثير من العنف المجتمعي والتي ما كانت لتكون لو أن المواطنين يحصلون على ما يكفيهم. اما البطالة فهي مرتفعة، ومعظم المتعطلين عن العمل من الشباب وبالتالي فان هؤلاء الشباب يمضون معظم أوقاتهم في المقاهي والشوارع والمولات، وإذا ما صادفهم اي شيء لا يعجبهم فان العنف سيكون الحل الوحيد، كما يؤدي ارتفاع معدلات البطالة الى زيادة في الجرائم والجنح وخاصةً المالية.
ثالثاً، سوء حالة المواصلات العامة وعدم الاعتماد عليها للوصول الى العمل او للتنقل من مكان الى اخر جعل الكثير من الاردنيين يسعوا الى اقتناء سيارة رغم عدم القدرة، وبذلك تحميل أنفسهم اعباءاً إضافية مما يزيد من حالة الاحتقان والغضب في نفوسهم.
رابعاً، قلة او عدم وجود حدائق او متنفسات عامة او ملاعب للشباب (ملاعب عامه يستطيع اي مواطن استخدامها دون مقابل) وخاصةً خارج عمان مما يولد شعور بالغضب بسبب التمييز بين سكان العاصمة وباقي المدن والقرى، وقد يشكك بعض الناس في كون هذا احد أسباب العنف المجتمعي ولكني أقول ان الدول المتقدمة والتي تعنى برفاهية شعوبها وجدت وبعد دراسات وابحاث مركزة أن توفير متنفسات للمواطنين يقلل من نسبة العنف المجتمعي ويمنح المواطن مساحة مكانية تجعله قادراً على الاسترخاء وتنفيس شحنات الغضب التي بداخله.
خامساً، غياب العدالة في الوظائف العليا وتركز الكثير من المناصب في يد عائلات او مجموعات معينه والذي يجعل الكثير من الشباب الطموح والمؤهل يشعر بالغثيان واليأس كون الكثير من هذه الوظائف تغيب عنها المنافسة الحقيقية وإن وجدت هذه المنافسة فهي صورية ولذر الرماد في العيون، مما جعل الكثير من الناس في المجالس والدواوين يتكلمون بسخرية واستهزاء عّن ما يسمى بالشفافية والمحاسبة في التعيينات في الوظائف العليا.
وبناء على ما سبق، فهذا من وجهة نظري اهم أسباب العنف في مجتمعنا الأردني والحلول تكمن في التغيير والذي يتطلب الكثير من العمل مع مؤسسات المجتمع المدني والوزارات المعنية للوصول الى التقليل من معدلات العنف في مجتمعنا.
حمى الله اردننا المحبوب من كل مكروه.
* خبير فُض نزاعات / استراليا