في طفولتي , كان لي وظيفة لا يتعدى عليها أحد ,وكنت اتقنها بكل ما في الكلمة من معنى ...وظيفتي بسيطة , كنا نجلس في الصالة , وحتى نقطع رتابة مشاهدة مسلسل السهرة المصري ...لا بد من صوت يأتي من أحد أفراد العائلة وجملة معترضة تقطع حالات النعاس والصمت وهي:- (ريحة غاز) ..
مباشرة كنت اقف , وأرتدي (حفايتي) وأهرول إلى المطبخ , ولا بد من شم الإسطوانة والتأكد من مفاتيح الغاز , ثم إغلاق الإسطوانة بإحكام والعودة مطمئنا كافة مرتبات العائلة بأن الأمور تحت السيطرة .
فيما بعد تبين لي أن إطلاق هذه الجملة كفيل بتحريك , الجميع .. من كافة الأعمار , كفيل بإعلان حالة طوارىء تنتهي بتطمينات مفادها أن (البربيش) بخير ولا يسرب .
كبرت قليلا , وصار وعيي أكبر أيضا ,وكنت الوحيد الذي يسهر مع أبي على برامج ليس لها قيمة , وكان يضع مجموعة هائلة من (الفكة) , وبعض علب سجائر الريم أمامه , وكان يكفيني من المشهد (بريزة وسيجارة) ...لهذا وفي لجة صمته كنت , أخرج رأسي من تحت اللحاف وأقول :- ( يابه ريحة غاز) فيهرع أبي مباشرة , للمطبخ .....وأنا بالطبع أسطو على ما يملك .
كانت شيفرة غريبة , تجعل الجميع يهرعون , وأنا فيما بعد تركت وظيفة تفقد المطبخ وتحولت لمحرض , وكلما شاهدت كسلا دب في أوصال العائلة أطلقت صرختي المشهورة :- (ريحة غاز) ...
كانت هذه الجملة لا تحتاج لنقاش , ولا لجدال ...تماما مثل الدفاع المدني الجميع يهرول باتجاه المطبخ ...
يسألني رفاقي في المقهى كل يوم , كيف شايف الوضع فأقول لهم :- ريحة غاز ...رائحة الغاز تداهمني لم تترك أنفي أبدا .
الراي