أنا ... والجزائر ...
سليم الميزابي ...
تجمعني مع الجزائر حكاية غرام قديمة
وبكل تأكيد لست الوحيد المتفرد بهذه الحكاية معظم جيلي وجيل اﻻباء واﻻجداد يذكرون جيدا قصة كفاح وجهاد الشعب الجزائري العظيم الذي قدم مليوني ونصف المليون شهيد ثمنا لحرية الجزائر اﻻبية .
وانا طفل صغير ... كانت تهزني صورة والدي عليه رحمة الله وهو يجأر بالدعاء مقرونا بالدموع للجزائر ومجاهدي الجزائر وابطال اﻻوراس ...
في حقبة الخمسينات ... من القرن الماضي كنت طفلا ... عادت شقيقتي الوحيدة من المدرسة وكانت ببداية المرحلة اﻻعدادية او ما نقول عنه الصف السابع ... سألتها والدتي عليهما رحمة الله : أين قرطك (حلق اﻻذن) وكان من الذهب الخالص ... فقالت ببراءة .. جاءوا ليجمعوا تبرعات لمجاهدي الجزائر ... فتبرعت به . ما كان من والدتي إﻻ أن ضمتها وقبلتها وأثنت عليها !!
عندما دخلنا المدرسة اﻻبتدائية في حقبة الخمسينات ... كان صديق الطفولة والعمر ﻻحقا محمد طاهر الشنطي يقودنا ونحن ننشد نشيدنا الصباحي ( وعقدنا العزم ان تحيا الجزائر ... فاشهدوا .. فاشهدوا فاشهدوا . وكنا مع كلمة اشهدوا نضرب بارجلنا الضعيفة اﻻرض فتحدث صدى يعكس حليب العروبة واﻻسلام الذي اسقتنا اياه امهاتنا .
نشأنا بهذا اﻻتجاه ولم نزل الى ان يرث الله اﻻرض ...
عندما انتجت السينما المصرية فيلم (جميلة بوحيرد) وهي احدى المناضلات الجزائريات ويروى الفيلم قصة جهاد الجزائريين ومواجهتهم للبطش الاستعماري الفرنسي ولعب بطولة الفيلم حسبما أذكر أحمد مظهر وفاتن حمامة وعرض الفيلم بسينما الاردن واستمر عدة شهور ... كنت ترى المواطنين في الاردن يتدفقون ويتزاحمون لمشاهدة الفيلم وكانوا يشترون التذاكر من السوق السوداء ... ويتفاعلون تفاعلا لا نظير له مع أحداث الفيلم .
روى لنا شقيقي اﻻكبر والوحيد رحمه الله ... ان مجاهدا جزائريا من جبهة التحرير الجزائرية حضر بمهمة للاردن ... وكان يجلس ذات يوم من أيام زيارته عند احد كبار تجار اﻻقمشة ... فدخلت فتاة حسناء متسترة .. فأخذت عقله ... أباح للتاجر بانه يأمل ان تكون حليلته ... وكانت الفتاة ابنة صديق شقيقي وهو من (شوام عمان) .. ذهب التاجر وعدد من التجار برفقة المجاهد الجزائري (وهذا كل الذي عرفوه عنه) ... الى بيت والد الفتاة .. وعرضوا عليه سبب زيارتهم برفقة المجاهد .. فأصيب بالذهول ... ولم يستطع ان يعتذر لهم .. وظن ان ابنته لن تتوافق على هكذا زوج ... مجاهد يخوض غمار القتال في الجزائر ... فنادى على ابنته واصر عليها الدخول امام الجاهة وهم كبار تجار عمان ... فدخلت .. وعرض عليها اﻻمر امامهم وقال اريد ان تنطقي بالجواب .. وكانت المفاجأة المذهلة لوالدها انها وافقت ... في نفس الجلسة احضروا المأذون ... وعقدوا عليها ... وقام التجار باقامة حفلة لها وللمجاهد وتكفلوا بمهرها وحاجياتها وسافر في غضون عشرة أيام الى الجزائر .
قال والدها لشقيقي (هي اختارت ... ولتتحمل مسؤولية خيارها) .
استقلت الجزائر .. واذ بالمجاهد احد قادة جبهة التحرير الجزائرية .. واصبح وزيرا في اول حكومة جزائرية ... مشكلتي اني نسيت اسمه بعد ان اخبرني به صديق جزائري عام 1991 .
والجزائريون ... مع قضايا امتهم ... ﻻ ننسى موقف هواري بومدين عندما احتاجت مصر لطائرات حربية قال لعبد الناصر ابعث طيارين مصريين ليأخذوا كل الطائرات الحزائرية
وبعد هزيمة 1967 رافق هواري بومدين الرئيس عبد الناصر الى موسكو .... وقال لهم ارسلوا فاتورة شراء اي سﻻح تشتريه مصر الى الجزائر .
واﻻمر المدهش ... عندما لعب منتخب فلسطين لكرة القدم مع المنتخب الجزائري في الجزائر قال الجمهور الجزائري لﻻعبي منتخبهم .. فلسطين لن تهزم في الجزائر ... واذا لم تفز فلسطين عليكم سنذبحكم في الملعب وكان الجمهور الجزائري يشجع المنتخب الفلسطيني طيلة المباراة ... الى ان فاز المنتخب الفلسطيني على تظيره الجزائري
لي عدة اصدقاء جزائريين صداقات شخصية ضيعها الزمن ... ولي احبة واصدقاء جزائريين فيسبوكيين .. قد ملكوا قلبي وروحي ... منهم اﻻعﻻمي الكبير حسام مروشي ... والفنان المبدع الميزابي حمو
وغيرهم .. وغيرهم !!
وصلتني من حمو الميزابي اليوم هدية قيمة وثمينة ... مجموعة كتب طلبتها منه عن الفكر اﻻباضي .. سيما وان اهل ميزاب جميعهم اباضية .. وارسل طاقية الرأس الخاصة بهم .. وكوب عليه صورتي وصورته .. لذا لبست الطاقية وتصورت بها كما اظهر
لمن ﻻ يعلم فالمجتمع الميزابي مجتمع متكافل متضامن الى درجة مذهلة .. لن تجد فيه محتاجا ... وﻻ توجد فيه مظاهر بذخ في اﻻعراس .. كله نمط واحد ﻻ يختلف ﻻن لجنة المسجد هي التي تتحكم به ... كما انك لن تجد ارملة محتاجة ... فكل حاجات اسرتها مضمونة ... وزي الرجال كله واحد .. موحد الفقير والغني .. لكي ﻻ يكون هناك تفاوت بين افراد الشعب الميزابي .
كنت على المستوى العقدي مفتونا بالمعتزلة وبفكر القاضي عبد الجبار ... لكني عندما بدأت أقرأ عن الفكر اﻻباضي ففتنت جدا .. سيما برأيهم في اﻻسﻻم واﻻيمان ... ﻻ يمكن عندهم ان يكون المرء مسلما دون ان يكون مؤمنا ... ﻻ انفصام بينهما ... كما انهم ينفون رؤية الله ... وهو اﻻرجح عندي ابضا .
وأخيرا أقول ... ﻻ بد من ميزاب ولو طال السفر .
واهتف مجددا ... وعقدنا العزم ان تحيا الجزائر ... فاشهدوا .. فاشهدوا ... فاشهدوا .