في يوم ما ، هاجم كلب شرس طفلة أمريكية في إحدى حدائق مدينة نيويورك ، وقبل أن تصاب الطفلة بأذى أسرع أحد الأشخاص المتواجدين بالحديقة لنجدة الطفلة وتخليصها من الكلب ، وتمكن من قتله. شاهد الحادث أحد محرري الصحف الأمريكية، والتقط صورا للواقعة من أجل نشرها في صحيفته. تقدم الصحفي من الرجل الذي أغاث الطفلة وقال له: بطولتك وشجاعتك سيتحدث عنها الجميع، وستنشر الصحف هذا الموقف تحت عنوان « شجاع من مدينة نيويورك ينقذ طفلة «، أجابه الرجل إنني لست من نيويورك ، فقال الصحفي إذا سيكون العنوان: « شجاع أمريكي ينقذ طفلة من كلب شرس»،فرد الرجل الشجاع: « أنا لست أمريكيا ، إنني عربي من العراق «!
في اليوم التالي نشرت الصحيفة الخبر بعنوان: « مسلم إرهابي يهاجم كلباً في حديقة بنيويورك ويقتله « !.. وعلى الفور بادر مكتب التحقيقات الفيدرالية «FBI» بالتحقيق في الأمر للتأكد فيما إذا كان ذلك الرجل مرتبطا بتنظيم القاعدة!
هذه الحكاية المشهورة والمعروفة ليست ضربا من الخيال، وحصلت عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر ، بعد مخطط الحرب على الإرهاب ، حيث نجحت الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة ، وفي ظل منظومة إعلامية جبارة ، في استخراج صورة نمطية عن الإسلام والمسلمين، وهي للأسف صورة قبيحة ، تمكنت خلالها الآلة الإعلامية الضخمة وبدعم الحكومات الغربية من الجمع بين الإسلام والعنف والتطرف، حتى بات من البديهي لدى العقل الغربي ربط الإسلام بالإرهاب.
والإسلام يواجه في هذه المرحلة أشكالا متعددة من سوء الظن ، وحملات من التشكيك والاتهام ، وأصبحت الدول الغربية تقرع طبول الحرب، وتؤجج الصراعات ، وتزرع الفتن في البلدان الإسلامية، وانتشر الإرهاب وساد العنف ، عبر استغلال الإعلام الغربي الذي لا يكف عن التحريض إزاء كل ما يتعلق بالإسلام. لقد تعاملت الحضارة الغربية مع الإسلام على أنه يشكل تهميشا وتقويضا لدورهم في السيطرة على ثروات العالم ومصيره، وكأن لسان حالهم يقول ما كان ينبغي للنبي محمد (ص) والمسلمين أن ينشروا هذا الدين، الذي نتج عنه تحجيم ومصادرة الحضارة الغربية.
ولعل موضع الفهم البعيد عن الصواب للإسلام، أنه لم يظهر نتيجة حركات جماهيرية ومطالب فئوية أو شعبوية ، ولم يكن مذهبا قوميا لتحقيق طموحات فردية ، أو توسعات إقليمية ، كما يطيب للدول الغربية أن يصفوه وينعتوه بأبشع الصور. وواقع الحال في الإسلام الذي لا يفسح قادة الرأي في الغرب وإعلامه المجال الكافي لإدراك ديناميكيته وقوته وحيويته، أنه قادر على التكيف مع الحداثة والديمقراطية وحرية التعبير والتسامح الديني، لكونه دينا بالمعنى الكامل لهذا المصطلح كمنظومة جامعة للإيمان بالإله الخالق ، الجدير وحده بصفات الجلال والجمال والكمال، والإيمان بالرسل كافة وبالكتب المقدسة والملائكة واليوم الآخر. لقد أراد الله بهذا الدين إسعاد البشر وصلاح أمرهم والارتقاء بالإنسان، وتنظيم شؤون الناس وفق الأسس التي تكفل لهم العيش الكريم.
ويدرك أصحاب الرأي في الغرب أن الإسلام لا يصنع الخلاف مع الآخرين، ولا يزرع البغضاء مع غير المسلمين ، بل يبني جسور التعاون معهم، على أساس أن كل الناس إخوة في الدين أو في الخلق، شريطة مراعاة قيمه وثوابته، والإقلاع عن الغزو الثقافي والفكري بأساليب مختلفة ووسائل متعددة لتدمير قوى الأمة الداخلية والأخلاقية. ومن هنا تتكشف مدى العداوة الشديدة التي يكنها الغرب للإسلام والمسلمين، ومواصلة الربط ما بين الإسلام والإرهاب، وكيل الاتهامات جزافا بلا دليل على الإسلام ودوله وشعوبه ، لاسيما بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر ، في الوقت الذي يدعي فيه هذا الغرب أنه معقل الحرية ، والعدالة والديمقراطية.
المنهج الإسلامي لا يقبل العنف والإرهاب، بل يرفضه جملة وتفصيلا، ويؤكد على مناصرة القضايا العادلة، ويدعو إلى تمكين الناس من الدفاع عن حقوقهم بالأساليب المشروعة، بعيدا عن الانحياز والظلم. والإسلام يدعو المسلم إلى الأمانة والوفاء بالعهود ويحرم عليه الخيانة والغدر، ويأمره بالإحسان في التعامل مع الناس، بل مع سائر الكائنات في هذا الكون، ولو استجاب حكماء الغرب لنداء وصوت العقل والصواب لأدركوا أن الإسلام هو محور الحياة ، وفيه النجاة لبني الإنسان.