هي " الليبرالية الجديدة " ولسنا في مختبر فيزياء
ياسر ابوهلاله
24-08-2008 03:00 AM
لا توجد عندنا أحزاب بالمعنى المتعارف عليه في العالم الحديث ، أي تلك المجموعات التي تتداول السلطة بناء على برامج سياسية . ينطبق ذلك على من في السلطة وعلى من في المعارضة . الموجود عندنا في السلطة أشخاص بحجم الموقع والنفوذ فإن غادر موقعه تبخر وتلاشى .
تتوهم المعارضة أحيانا أنها أحزاب ، وهي بالمجمل لافتات بلا جماهير ، وفي أحسن الأحوال هي شخصيات اعتبارية كان لها حضور في ما مضى . أما الإخوان المسلمون فهم خليط بين الثقافي والتربوي والسياسي ، يعامل الشق السياسي منهم " جبهة العمل الإسلامي" باعتباره تنظيما مارقا لا مكان له في السلطة . في هذا الغياب للسياسة بمعناها الحديث ، لا يمكن الحديث بمنهجية علمية وبدقة مختبر فيزياء عن الأحزاب السياسية ، أو المجموعات التي تتقاسم النفوذ في السلطة . يمكن رصد مؤشرات عامة ووضع تصنيفات فضفاضة .
حتى لا يتعامل مع السياسيين بوصفهم مطلق أفراد . من التصنيفات الفضفاضة " الليبرالية الجديدة " أو باللغة الدارجة " الديجتال " ، يدخل في ذلك أسماء ذات نفوذ مثل رئيس الديوان الملكي باسم عوض الله ، وأمين عمان عمر المعاني ، وأكرم أبو حمدان ، ووزير الخارجية صلاح البشير ، ووزير العمل باسم السالم وغيرهم . هؤلاء لم يشكلوا هيئة تأسيسية ، ولم يتفقوا على ميثاق ولا برنامج عمل ، ولم يتخرجوا في مدرسة " كوادر " وإطارت حزبية . والأهم لم يخوضوا أي انتخابات حتى يعرف الناس أفكارهم فيقتنعون بها أو يرفضونها .
وفي منطقة يطبق عليها الضباب وتغيب الملامح يسهل الهروب من المواجهة بذريعة الدقة في الإحكام والبعد عن الاستقطاب على أساس شخصي .وبذلك يغدو الليبراليون الجدد محصنين من أي نقد . وهذا ما يجعلهم في " سلطة مطلقة " والتي تعني بحسب اللورد آكتون " مفسدة مطلقة " .
استطاع الإعلام أن يملأ جزءا ولو يسيرا من المساحة التي كان يفترض أن تغطيها الأحزاب . وفي الشهور القليلة الماضية تجلت قوة الإعلام . صحيح أن بعض الكتاب والصحفيين دخل في لعبة الاستقطاب وحاول أن يرفع سعره لدى أصحاب النفوذ ، إلا أن أي مراقب لاحظ وجود نوعية من الصحافة تتحلى بالروح النقدية تجاه المجموعات النافذة في السلطة . من انتقدوا " الليبرالية الجديدة " من الكتاب ليس في سجلهم مدائح لخصومها الذين تتسع دائرتهم لتشمل بيروقراطية الدولة بما فيها المؤسسة الأمنية وصولا إلى الإخوان المسلمين وشيوخ العشائر وشخصيات اعتبارية .
وبالرجوع إلى أرشيف الصحف يمكن ملاحظة أن من داهنوا التجاوزات التي وثقها المركز الوطني لحقوق الإنسان في الانتخابات البلدية والنيابية هم نفسهم من يدافعون عن الليبرالية الجديدة اليوم على بعد الشقة بين المعسكرين . لا يقف الكاتب أمام صندوق اقتراع عليه أن يضع ورقة إما للمخابرات العامة أو للديوان الملكي ، فهما مؤسستان في إطار السلطة التنفيذية .
يستطيع الكاتب أن يحكم مبادئه في أداء كل المؤسسات في الدولة والمجتمع ، وهو يقدم رؤية فردية لا تلزم غيره ، وهو ليس حزبا يسعى لتحقيق أكثرية بناء على برنامج عمل . هو يؤثِر في قارئه سواء كان مواطنا أم مسؤولا لا أكثر . في صولة الدفاع عن الليبرالية الجديدة غدا الكاتب متهما لأنه لم يقدم أطروحة دكتوراه في نقد سياسات اقتصادية جعلت حياة أكثرية الناس ضنكا . يكفي الكاتب أن يقول أن طالبة تدرس على ضوء الكاز والحطب في العقبة علامة فشل هذا المنهج الاقتصادي ولو أنه يرى أرقام دائرة الإحصاءات العامة عن تضاعف الدخول في العقبة .
في مقالة صحفية -وليس في أطروحة دكتوراه – ترصد ملامح النهج في الضبابية و غياب الشفافية والعدالة والمساءلة وغياب الرؤية . إن المطلوب من الليبراليون الجدد أن يقولوا لنا بوضوح ماذا يريدون . أمر من أمام مشروع العبدلي وأقرأ أمام مبنى المخابرات العامة القديم " الغد لمن يراه " وكلي قناعة أن الليبراليون الجدد لا يرون الغد . بل هم أبناء اللحظة الراهنة ولا يفكرون بأبعد منها .
فليس فيهم محاضر محمد باني نهضة ماليزيا الذي وضع خطة العشرين عاما وانتهت بأعلى برجين في العالم . ومفهوم النهضة ليس في قاموسهم . هل يمكن أن يجيبنا أحد ماذا فعلنا في مشروع العبدلي خلال منذ رأى النور في حكومة علي أبو الراغب . وهل يخالف الحداثة والتقدم والعصرنة والاقتصاد المعولم و... الاطلاع على ميزانياته ؟ أم أنه مثل خطة التحول الاجتماعي التي لم يناقشها مجلس النواب إلى اليوم ؟ باختصار هذه هي الليبرالية الجديدة بتعريف العبد الفقير