لم يكن مدهشاً لجوء حزب السيد حسن نصر الله إلى عقد ما سماه ميثاق تفاهم
مع جماعة سلفية مغمورة في طرابلس, على أسس دينية, من قبيل تحريم سفك الدم
بين المسلمين، وتحريم التكفير, متجاهلاً أن خلافاته مع الجماعات السنية
اللبنانية لم تكن على قضايا دينية أو فقهية , فأهل السنة بلبنان كما
يؤكدون لم يختلفوا مع حزب ﷲ على مفاهيم كالتنزيه والقضاء والقدر وعدالة
الصحابة وعدد اﻷئمة وغيبة اﻹمام ورجعته وأخيراﹰ وﻻية الفقيه, وإنما على
أمور سياسية بامتياز وأبرزها خروج الحزب على الدولة اللبنانية، وتحويل
لبنان إلى ساحة للصراعات اﻹقليمية والدولية واجتياحه بقوة السلاح لبيروت
وبعض مناطق الجبل والبقاع , وهي مناطق تصادف أن معظم قاطنيها ينتمون
للطائفة السنية , وكان هدف ذلك ساسياً واضحاً حمل العديد من الرسائل
لتحقيق أهداف بعيدة عن الدين والعقيدة .
ولم يكن مدهشاً أن الشارع السني المدرك لطبيعة الخلاف السياسي مع نهج حزب
نصر الله , رفض ميثاق التفاهم هذا وأجبر موقعيه على التراجع عنه, لأنه
يؤسس لخلافات مذهبية بحجم يدعو لتوقيع اتفاقات , مع أن تلك الخلافات ظلت
دائماً في حدها الأدنى في دولة علمانية وعند شعب لم يعرف عنه في تاريخه
التعصب الديني , ولأن هذا الشارع يدرك أن الخلاف السياسي يتمحور أساساً
عند ارتباطات حزب السيد بأجندات غير لبنانية , وأن سلاح ( المقاومة )
مكرس في الوقت الراهن لتنفيذ تلك الأجندات, وهو شارع غير قادر على نسيان
موقف هذا الحزب بعد جريمة اغتيال الشهيد رفيق الحريري, وما يعنيه له
الانسحاب من الحكومة بهدف التخريب على المحكمة الدولية المكلفة بالكشف عن
قاتليه ( كاد المريب بأن يقول خذوني ), ومن بعد اتهام حكومة الرئيس
السنيوره بالعمالة وتخوينها وبث شائعات حول عدائها للطائفة الشيعية ,
وكان الهدف من كل ذلك واضحاً يتمثل في حشد الشيعة اللبنانيين من ورائه
ليكون قادراً على توجيه الرسائل اﻹيرانية اﻻستقوائية ضد السعودية، وافهام
الغرب أن إيران تملك أوراقا في لبنان والعراق وغزة حماس وهذا ما اعترف به
علناً نائب الرئيس اﻹيراني أخيراﹰ.
وإذا كان حزب الله لجأ إلى اتفاق مذهبي للتغطية والتمويه ,عقده مع مجموعة
مغمورة من سلفيي طرابلس وهم جهة يمولها السلفيون الكويتيون، أصحاب
المصالح التجارية الكبيرة مع إيران, فإن ذاكرتنا لم تنس تصريحات السيد
حسن التي تؤكد أن الخلاف سياسي , فهو الذي يقسم العرب عربين أحدهما متهم
بالاستسلام لأميركا وإسرائيل والثاني الذي ينتمي إليه هو حزب وﻻية الفقيه
الأممي الذي يستحق أن نخوض معه حروبه أو أن نخوضها بالنيابة عنه , وأذا
كانت قيادة حزب الله في طهران تزاود على الجميع بتصميمها على إبادة
الدولة العبرية ومحو إسرائيل عن الخارطة , فإن سذاجة البعض سمحت لهذا
الحزب في لبنان بتحقيق بعض الاختراقات التي سقط معظمها بعد غزوة بيروت ,
ما يدفع إلى ضرورة اختراع حرب جديدة قد تكون تمحكاً باسرائيل لاستعادة
مزارع شبعا , رغم أن نتائج الانتصار الإلهي في تموز ابعدت مقاتلي الحزب
أكثر من ثلاثين كيلومتراً عن الحدود مع إسرائيل, ورغم أن أسلحته الجديدة
التي زودته بها إيران ليست قادرة على تدمير إسرائيل عن بعد كما يقول
الناطقون بإسمه في كل حين .
وبعد فان مناورة حزب السيد حسن نصر الله البائسة, ومحاولته تصوير الصراع
السياسي في لبنان على أنه مجرد خلاف مذهبي , سترتد عليه سلبياً لانها
مكشوفة اولاً , ولانها مرفوضة عند جميع اللبنانيين غير المرتبطين بولاية
الفقيه .