عندما يتجرأ أحدهم وينشر قائمة بأسماء شخصيات مجتمعية أردنية معروفة تحت مسمى «قائمة العار» بحجة الدفاع أو التعاطف مع الدكتور المعتقل «أمجد قورشة» على صفحات مواقع التواصل المجتمعي، ومن ثم يتم التهديد بإضافة اسم أي شخصية إليها، أو موقع أو صحيفة تقوم بنشر مادة صحفية تدافع عن حرية هذا الرجل، فهذا يمثل اعتداءً آثماً على قيم المجتمع الأردني، وانتهاكاً صارخاً لمنظومة الأخلاق الراسخة والمستقرة، وهتكاً فاجراً لحاجز الحياء الإنساني، الذي لا يجوز السكوت عليه من كل أصحاب المسؤولية المجتمعية بكل مستوياتها وعلى جميع الأصعدة الرسمية والشعبية، ومن مختلف الأوساط الفكرية والاتجاهات السياسية مهما كانت درجة التباين والاختلاف.
من يتجرأ بإطلاق هذا الوصف على من يبدي رأيه في مسألة فكرية، أو الذي يطرح فكرة الاستيعاب والمرونة في التعامل مع أصحاب الرأي المخالف، ويتجرأ على هذا الاسفاف المتدني بحق بعض الشخصيات الوطنية على هذا النحو المغرق في الإساءة والطعن، فهو بالتأكيد لا ينتمي لهذا المجتمع ولا لمنظومته القيمية الجمعية، ولا يعرف شيئاً عن أصول اللياقة والتعامل الإنساني بحدودها الدنيا، ومن يغفل ذلك فقد تخلى عن كل الضوابط والكوابح الذي تردعه عن استخدام القتل وإطلاق النار عندما يتمكن من ذلك؛ بلا رادع من ضمير أو فكر أو خلق أو دين.
الذين يتلذذون بالإساءة للآخرين، والذين يجدون فرصتهم لتسديد حساباتهم القديمة والأخذ بثاراتهم من بعض أصحاب الاتجاهات الفكرية تحت ستار محاربة التشدد والتطرف، إنما يسعون لتفجير المجتمع من الداخل، وافتعال الأزمات وزرع بذور الفتنة بين أفراد المجتمع ومكوناته الدينية والسياسية بطريقة فجة وغير مسؤولة، وتنذر بعواقب مشؤومة، وغير محسوبة النتائج، أو أنهم يسعون لذلك متعمدين وعن سابق إصرار وتخطيط.
إن الذي يتعمد الإساءة إلى قائمة طويلة من الشخصيات الأردنية لموقف فكري أو سياسي، لا يقل إساءة عمن كتب شيئاً على مواقع التواصل الاجتماعي يشتم منه رائحة التطرف، لأن ذلك لا يقل تطرفاً وإساءة وتجريحاً وإثارة للفتنة، ولذلك يتوجب على الذين حركوا قضايا قضائية وأمنية بهذا الخصوص أن ينظروا إلى المسائل بمعيار واحد وأن يكيلوا بمكيال واحد، وليس هناك أشد إساءة وإثارة للفتنة من استخدام المعايير المزدوجة.
إن الذي يتجرأ وينشر رأيه المسيء ويمارس الطعن والتشهير بحق من يخالفه كمن يقول : «أنا لا أحترم كل المحجبات ..» ويعد ذلك من قبيل حرية التعبير عن الرأي، فهل يقبل هو ذاته رأي من يقول : «أنه لا يحترم غير المحجبات ..» !! ولو قال ذلك فكيف سوف تكون ردة فعل هذا الصنف من البشر الذي يتجرأ على هذا القدر من الإساءة والطعن لمن يخالف في الرأي والمعتقد؟
نحن أمام حالة من حالات التطرف الشنيع؛ تتمثل بمن يعطي لنفسه حق الإساءة لكرامة المخالف، وحق الطعن في أصحاب الأفهام الأخرى، وهذه الحالة تعد من أهم أسباب صناعة التطرف المضاد، وتصب الزيت على نار الفتنة بطريقة تقترب بشدة من التسطيح الثقافي الممقوت، الذي لا يقل ضرراً عن تصرفات واقوال أولئك السذج من الطرف المقابل، وكلا الفريقين يعدان من الخوارج، فهؤلاء خوارج عن مفهوم الأمة الوسطي الصحيح للدين، وأولئك خوارج عن منظومة العقل والخلق والسلوك العلمي الصحيح، وخوارج عن منظومة المجتمع القيمية وأعرافه المستقرة، وكله شطط واسفاف يستحق المواجهة والعلاج، من أجل صيانة مجتمعنا وحفظ مستقبل أبنائنا والأجيال القادمة.
الدستور