نودع يوما ثقيلا ، ونستقبل غدا اثقل ، والمسافة بين اليومين هي ذاتها المسافة بين غرفة واخرى ، فالايام ( بل السنوات) في عالمنا العربي - مهما اختلفت ارقامها وايامها - تشبه تماما «حجرات» البيت الواحد ، تدخل اليه من البوابة فلا تحتاج الى استئذان حين تتجول في ممراته وغرفه ، وحين تألفه ويالفك تفقد الدهشة به مثلما يفقد الدهشة بك ، وتبدأ «مواسم» الرتابة ما لم تطاردك اشباح «الحوادث» الطارئة.. تلك التي تحمل التغيير ، ولكنها غالبا لا تحمل السعادة.
يا الله كم اشتقنا الى السعادة ، كم انتظرناها بلا جدوى ، كم طاردتنا «اوهامها» لكن بلا نتيجة ، كم اغمضنا اعيننا عن الهواجس التي اثارها المنجمون وقراء الكف لتخويفنا من القادم، كم علمنا بعصور جديدة تفتح امامنا صناديق «الوحدة» والديمقراطية والحياة الفضلى ، كم راهنا على الوعي الذي ينتج التغيير ، على «المطر» الذي يبدد غبار الدروب على الامة التي تنتقل من الاطلس الى الحياة والفعل ، كما فتحنا اعيننا على امم تتقدم نحاول ان نكون مثلها ، على شعوب تتحرر من الخوف والقهر حتى نقف معها في طابور «صناع» الحضارة.
يوم ( بل عمر) صعب وثقيل يمر ، واخر قادم سيأتي لا جديد فيه سوى «الوهم»: وهم الانفصال الذي يبدد «سيئات» الوحدة ، ووهم «الحروب» الجديدة التي تعيد لمّ الشمل ، ووهم «التقدم» الذي يفضي الى التخلف ، ووهم «الاصلاح» الذي لا ينتج الا الخراب.
وحده الامل ، يجعلنا نتطلع الى الامام ، يدفعنا الى انتظار قطار الاصلاح ، يشطب من ذاكرتنا الاحساس بالالم ، يحررنا من السقوط في اليأس ، يعيد لارواحنا توازنها ، ولابداننا قدرتها على الحركة.
مع كل نهاية يوم، نعيد جردة حساباتنا ، وندقق في دفاترنا القديمة ، ثمة ارباح وخسائر ، وثمة حكايات تطمئننا على «عافيتنا» واخرى تسرق منا العافية ، ثمة احساس «بالفقر» هذا الذي يحاصر جيوبنا وقلوبنا معا ، واحساس «بالتعب» هذا الذي استعصى على «وصفات» الراحة وطول الاستجمام.
ما الذي يمكن للعربي ان يتفاءل به وهو يستعد لاستقبال «ميلاد» يوم جديد؟ وانا اكتب سمعت احدهم يسأل المفتي: هل يجوز اجهاض المولود اذا ما اكد الاطباء بانه سيولد «مشوها»؟ كان الجواب: حرام ان نفعل ذلك ، لماذا يا سماحة الشيخ؟ لانه نفس اكتملت ولا يجوز قتلها ، كما لا يجوز - تماما - قتل «انسان» ابتلي بعد الولادة «بالاعاقة».
اذن يوم جديد ، من عمر جديد - لا بد ان نستقبله ، حتى وان كان مليئا «بالتشوهات» والأزمات والاخطار ، المهم كيف نستقبله ، كيف نجعله اكثر انسا ورحمة ، اكثر دفئا واحساسا بنا كبشر؟ يا لها من تساؤلات عجيبة، اولسنا من نصنع «اعمارنا» ، من نلونها بانفاسنا وافعالنا ، بايماننا وفجورنا ، اولسنا من «يدفعها» بالسعادة او الشقاء ، فلماذا نلومها ولا نلوم انفسنا اذن؟
لي امنية واحدة: ان ينتصر فينا منطق الانسان على منطق السياسة وحروبها ، لكي نتحرر من الكراهية والخوف ونبدد «هواجس» الفرقة والانقسام.
الدستور