قبل أيام دار بيني وبين احدهم حوار صحة استرقاق تنظيم داعش الارهابي للنساء، وشكك اخونا بصحة ما يُثار من إحياء هذا التنظيم لظاهرة حاربها الإسلام بكل قوة، واتخذ من الأساليب ما هو كفيل باجتثاثها من المجتمع، ليأتي هؤلاء ويتباهوا بإعادة مصطلح «السبايا» إلى القاموس المعاصر!
بعد بحث لم يطل كثيرا، وقعت على أخبار منسوبة للمجلة الناطقة باسم تنظيم الدولة والمسماة «دابق» تثير كثيرا من علامات التساؤل حول طبيعة فهم التنظيم للمسائل الفقهية، وأولوياته «الجهادية» في إحياء الخلافة!
تقول الأخبار أن تنظيم داعش اعترف في المجلة بإقدامه على سبي عدد من نساء الأيزيديين بعد سيطرته على عدد من القرى الأيزيدية في مناطق سنجار غربي مدينة الموصل. وكان الحديث يدور فيما مضى، عن حوالي «100 امرأة كردية أيزيدية تم أخذهن ـ»سبايا» في مناطق سنجار ونقلهن إلى الرقة في سوريا». لكن الضخ الإعلامي والأخبار الملفقة، كما الصور المُركبة والمُزوّرة، التي كانت تأتي من كل حدب وصوب، أفقدت هذه المعلومة الكثير من المصداقية موحية أنها تأتي في سياق الحرب الإعلامية. فما الجديد في الموضوع فعلا؟ وماذا قالت «دابق»؟
لقد تولد لدي ما يشبه الحقيقة أن داعش أقر بأخذه لنساء كرديات أيزيديات «سبايا» من خلال مجلة «دابق»، حيث خصص العدد الرابع من المجلة، فقرة كاملة من عدة صفحات لشرح إقدامه على هذه الخطوة وتفسيرها مُرفقة بالقرائن التي تخدم توجهه هذا. وفي هذه الفقرة، التي أتت بعنوان «إعادة إحياء الرق قبل حلول الساعة»، والمنسوبة للتنظيم، يشير داعش أنه من «غير الطبيعي أن تستمر الأقلية الأيزيدية في الوجود في سهل نينوى وفي العراق والشام عموما»، ذلك إن تم اتباع «ما أوصى به النبي (محمد صلى الله عليه وسلم) منذ 1400 عام فيما يخص التعامل مع المشركين(!) من الذين يرفضون اعتناق الإسلام». مضيفا أن «الأيزيديين هم من عبدة الشيطان» ويؤكد أن «طلاب العلم لديه بحثوا ودرسوا قضية توصيف الأيزيديين قبيل دخوله إلى مناطقهم في سنجار». وبذلك تم التعامل مع الأيزيديين، «على خلاف التعامل مع النصارى واليهود الذين يمكن أن يدفعوا الجزية»، أي أن يستمروا في دينهم وطقوسهم لكن وفق شروط الشريعة الإسلامية(!) ومن هذا المنطلق وبعد هذا «التفسير الشرعي!» الذي اعتمده التنظيم، تم أسر عدد من النساء الأيزيديات بعد السيطرة على عدد من القرى الأيزيدية واعتُبِرن «سبايا» قبل «توزيعهن وأولادهن... على المقاتلين من الذين شاركوا في معارك سنجار... وتم نقل خُمسهم إلى الدولة الإسلامية»، أي اقتسامهن كأية غنيمة حرب. ثم تأتي جملة تؤكد أنه تم بيع عدد من النسوة، ألا وهي «مقاتلو داعش يبيعونهن كما الصحابة قبلهم!». مع تأكيد «عدم تفريق الأمهات عن أولادهن» وعلى أن العديد منهن «اعتنقن الإسلام»!
اللغة التي تصف المشهد ليست لي، بل هي من تقارير صحفية عدة، ومن منتديات محسوبة على مؤيدي التنظيم، الذين اشتعلت فيما بينهم الحوارات حول هذه المسألة تحديدا، والحقيقة إن صح كل هذا، فثمة كارثة حقيقية في طبيعة فهم التنظيم لتعاليم الإسلام، فأولادنا في الصفوف الابتدائية يعلمون أن الإسلام حارب العبودية، والرق، وفتح الأبواب على مصراعيها للقضاء عليهما، وليس من الإسلام في شيء التباهي بإحياء ما أنهاه الإسلام، فهذا مناف لهذا الدين ومعاكس لمقاصده، في القضاء على مظاهر كانت سائدة قبل البعثة المحمدية، وإن امتد هذا الفهم الغريب لبقية قضايا الفقه، وبمثل هذا القصور، فنحن أمام مصيبة كبرى على غير صعيد!
إن عقلية تفكر بهذه الطريقة، ليس غريبا عليها أن تقض مضاجع زوار مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، بتفجيرات إجرامية، تحت عناوين «الجهاد» فالجهاد والإسلام، والقيم الإنسانية كلها براء من مثل هذه التصرفات، ولا حول ولا قوة إلا بالله!
الدستور