ظهر مصطلح التنوير في القرنين السادس عشر والسابع عشر في أوروبا تعبيراً عن الفكر الليبرالي ذي النزعة العقلية والعلمية والتجريبية ويتضمن نزعة مادية بعد إقصاء اللاهوت وذلك بإحلال الطبيعة والعقل محل الفكر الغيبي، وتتكون أفكار التنوير من عناوين ثلاث العقل والطبيعة والتقدم - وكانت روح التنوير إلحادية المنزع وشديدة العداء للكنيسة وللسلطة متمثلة في الدولة .
التنوير في الفكر الأوروبي بعني أيضاً إعادة صياغة الحياة على أساس النظر العقلي و تحرير الحضارة من الوصاية الكنسية والنزعات الغيبية ، إذن المصطلح هو أوروبي النشأة والمضمون والايحاءات ، وهو تنوير للقرون الوسطى المظلمة التي عاشتها أوروبا – هي تمثل الغرب و في عز إزدهار الحضارة الإسلامية ، ففي مواجهة الوضع الذي يمثل تحالف الكنيسة والإقطاع كان رد الفعل التنويري الذي أعلن رفضه لسلطان الدين ورفع شعار لا سلطان على العقل إلا للعقل فطغيان الكنيسة الغربية هو الدافع الرئيس مما يجعل من الفكر التنويري بهذا المفهوم قضية أوروبية – من حيث ردود الفعل والمنشأ والمساق والعلاقة بين الكنيسة والعلم - والعقل – والإقطاع .
إن رجال الفكر وإن لم يكونوا على صواب في محاربة مفهوم الدين والتديّن من حيث المبدأ والمناداة بإستخدام العقل بدلاً من الدين الذي منحه الله للإنسان كي يعرفه ولا ينكره ويتمرد عليه ، إنما كانوا على صواب في مواجهة الإنحرافات التي أغلقت كل المنافذ أمام عقل الإنسان ليغمض عينيه ويسير حيثما يطلب منه دون أن يسمح له بالتفكير .
أما في القرآن الكريم فقد وردت كلمة النور وتكررت في ثلاث وأربعين موضعاً – وقد وردت كلمت الظلمات مقابل النور ، والظلمات جاءت بصيغة الجمع والنور بصيغة المفرد – اي أن موضوع الهداية الربانية طريقها واحد ( النور ) ، والظلمات متعددة ومتشعبة .
وقد قرن الله سبحانه وتعالى القرآن الكريم بالنور ( قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين ) وكذلك جعل التوراة والإنجيل نوراً ( وآتيناه الإنجيل فيه هدى ونور ) ( إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور ) فلا تكون الهداية بدون نور الله – والنور لا يتعدد لأن مصدره الله – والظلمات تتعدد لأن مصدرها البشر – والإنسان الذي هداه الله الى النور يعيش في حالة التنوير .
اما في المفهوم الإسلامي فالتنوير يقوم على قاعدة تجمع بين تنوير العقل وتنوير القلب – وبين العلم الذي لا ينفصل عن الإيمان ، هو تنوير يقوم على إستقلال الأرادة – والرأي والفكر .
ان علو منزلة العقل في الإسلام جعل وظيفة الفكر تؤدي رسالتها في الحياة العقلية والفكرية والعلمية – وبذلك انتفت اسباب الى طغيان أي مؤسسة بإسم الدين وزالت كل المبررات التي يمكن أن تستغل للحجر على الفكر وتقييد العلم وقهر العلماء والمفكرين – وقد نقلت الخصومة بين الدين والعلم من الكنيسة الى الفكر الإسلامي نقلاً زائفاً كما نقلت قضية التنوير بالمفهوم الغربي نقلاً زائفاً أيضاً وهو التنوير الذي يلغي الدين إلغاء كاملاً – بينما واحدة من أولويات العقل هي فهم مراد الشرع والدين على النحو الذي أراده الله سبحانه وتعالى وليس كما يريده أحد بهواه – لان الله هو رب كل البشر وبغض النظر عن معتقدهم وجنسهم وأرضهم ، لا تأليه للعقل – ولا تحييز له فالجمع بين العقل والقلب وعالم الغيب والشهادة أمور مكتملة الحلقات ويرتبط المفهوم الإسلامي للتنوير بالتحرير الذي هو إخراج من العبودية الى الحرية ، وهو ليس عملاً فكرياً ونشاطاً ثقافياً فحسب ولكنه حركة تصحيح رشيد وعاقل يرد الحق الى نصابه ويبتعد عن الغلو والتشدد والتنطع ويرمى الى إشاعة قيم الخير والسماحة وإعلاء شأن العقل وطلب العلم والعمل ، إن الإبداع في العلوم والتفوق في التكنولوجيا هما من صميم التنوير الإسلامي .
وهكذا نفهم أن إلتصاقنا بالقرآن فهماً وتطبيقاً ، انه من اسس التنوير الإسلامي ، والأصل في الدين أنه يجمع قلوب الناس في إتجاه الخالق لا يفرقهم او يكون سبباً من أسباب تناحرهم وهكذا نفهم التنوير انه تنوير حقيقي وليس عداء مع الدين .