التيار الوطني وسؤال الرؤيةد. محمد أبو رمان
23-08-2008 03:00 AM
ينعقد اليوم الاجتماع التحضيري للتيار الوطني المرشح أن يحتل موقع "اليمين" (وليس الوسط) في المعادلة الحزبية، وأن يشكل كتلة سياسية كبيرة في المشهد العام. على الرغم من ذلك لا تزال حالة من "الضبابية الشديدة" تكتنف طبيعة الدور السياسي لهذا التيار والحدود الممكنة والمتوقعة له. لو فرضنا أنّ المطلوب تكوين جسد سياسي كبير يحتل مساحة اليمين، مقابل الحضور الإسلامي الطاغي واليساري المتواضع، فإنّ السؤال المباشر: ماذا بعد ذلك؟ هل سيكتفي هذا التيار بتوفير الأغلبية النيابية للحكومة في البرلمان (مع أنّها تمتلك فعلياً هذه الأغلبية)، أم أنّ هنالك دوراً في الساحة الحزبية، وما هي طبيعة هذا الدور في السياق الحالي الذي يفتقد إلى عملية تداول السلطة وإلى قانون انتخاب يتيح تمثيلاً حزبياً مقبولاً؟! دعونا نفترض، كذلك، أنّ "الرعاية الرسمية" (المفترضة) للتيار تهدف إلى إعداده مستقبلاً لأي عملية إصلاح سياسي تعيد هيكلة الحالة الحزبية، بحيث يكون هذا "التيار" هو المعادل الموضوعي للوجود الإخواني، وأن يلعب دوراً استراتيجياً في تحجيم هذا الوجود، فإنّ هذه الفرضية تضعنا أمام معضلات أخرى لا تقل صعوبة عن "ضبابية الدور".. المعضلة الأولى أنّ شخصية رئيس التيار أو العديد من الشخصيات القيادية فيه لا تنسجم مع معادلات الحكم والسياسة الحالية، التي تفترض رؤية جديدة مختلفة عن المراحل السابقة. ولا أعتقد أن "الكيمياء" الشخصية متوافرة لتشكل رافعة للدور المتوقع. المعضلة الثانية أنّ رؤية الدولة للعبة الحزبية والسياسية وللشخصيات والأدوار ليست ثابتة، بل متغيرة ومتحركة، وتتأثر بمواقع القرار وبمعطيات سياسية داخلية وخارجية. فإذا كان "الضوء الأخضر" حاضراً اليوم فقد يغيب غداً إذ يؤدي إلى تفكك التيار، وتلاشي الزخم الحالي. ما يجعل مستقبل التيار بصورة دائمة في مهب الريح السياسية. المعضلة الثالثة والحقيقية تكمن في غياب الرؤية السياسية والفكرية التي تقف وراء تشكل التيار وتضخمه. في المقابل فإنّ الرافعة الرئيسة له تتمثل بافتراض القائمين عليه وجود "الرعاية الرسمية"، وتلعب المصالح الشخصية دور المحرك المباشر. وربما تساهم "غريزة البقاء" لدى قيادات الأحزاب الوسطية، التي اندمجت في التيار، في بناء التركيبة الحالية. الصورة الأقرب للتيار تبدو اليوم وكأننا نتحدث عن "جثة هامدة" كبيرة مطلوب منها أن تحتل مساحة سياسية واسعة، لكن من دون أن يكون هنالك جامع فكري وسياسي عميق يمنح هذا الجسد روحاً متدفقة، تنهض بخطابه السياسي والفكري. هل نحن أمام "ابتداع" أردني جديد لتيار طويل عريض يتجمع من دون أي اختبار للأرضية السياسية والفكرية التي يقف عليها؟! هل كان الجميع قبل تشكل التيار، شخصيات وأحزابا، نسخاً كربونية متشابهة إلى درجة يمكن أن تُشكل تياراً عريضاً دون اختلافات تظهر إلى السطح في مخاضات تأسيسه! ما يزيد من الشكوك حول دور التيار ومستقبله السياسي هو انسحاب عدد من النواب من الكتلة، ما يفقدها الأغلبية النيابية. هذا الانسحاب وإن كانت مصادر خبيرة في البرلمان تحيله إلى "خلافات شخصية" بعيدة عن أي موقف سياسي أو فكري، فإنّ ذلك في المحصلة يقدم دلالة واضحة وكبيرة على أنّ الحشد الحالي يفتقد إلى ديناميكية سياسية وتنظيمية وروح فكرية أو سياسية تحكم التيار وتصوغ مواقفه وأدواره. ولعلّ الانسحابات مؤشر آخر على أنّ الكتلة النيابية ثم التيار، لاحقاً الحزب، كما تشكل سريعاً مرشح لأن ينهار سريعاً، وأنه يعتمد على حسابات شخصية وآنية ضبابية حول العلاقة مع المؤسسات الرسمية والأدوار المتوقعة له في المرحلة القادمة. بالضرورة لا يعني (هذا) أنّ تشكُل تيار أو حزبٍ سياسي، يمثل موقع اليمين في المعادلة السياسية، مرفوض، بل ذلك مطلوب ومحرك للعمل الحزبي والسياسي. لكن التجنيد لهذا الحزب والتعبئة له، بل ومشروعيته الشعبية الحقيقية، لا تبنى على مجرد دعاوى بـ"ضوء أخضر" أو "طموحات شخصية" إنما على تصور فكري وسياسي راسخ وواضح لهوية التيار ودوره المطلوب! |
الاسم : * | |
البريد الالكتروني : | |
التعليق : * |
بقي لك 500 حرف
|
رمز التحقق : |
تحديث الرمز
أكتب الرمز :
|
برمجة واستضافة