الإنتاجية ذريعة لتجويع الأردنيين
جمال الطاهات
23-08-2008 03:00 AM
قبل بضعة شهور تحدث رئيس الوزراء الأردني عن الإنتاجية في لقاء جمعه مع عدد من المستثمرين ورجال الأعمال. وكان فحوى الحديث هو ربط زيادة رواتب العمال بزيادة الإنتاجية. وقبل أيام تناقلت وسائل الأعلام الأردنية بأن مدير الموازنة في وزارة المالية يربط بين زيادة رواتب الموظفين وزيادة إنتاجيتهم. صحيح أن الإنتاجية تقيس أداء العمال بمختلف مواقعهم في العملية الإنتاجية. ولكن لنتذكر أن الإنتاجية لم تكن يوماً مسؤولية العمال. إنها بامتياز مسؤولية الإدارة. فالإنتاجية تطورت في العمل من خلال الثورة الصناعية. والذي أبدع الثورة الصناعية ليس العمال بل أرباب العمل. ببساطة الإنتاجية هي تحد مفروض على إدارة العمل وليس على العمال. فالثورة الصناعية بنيت على أساس إحداث تغيير جوهري في العملية الإنتاجية. ولو كان العمال هم أصحاب الثورة الصناعية، لأخذ العالم مساراً مختلفاً، ولم تكن هناك حاجة للحوار الاقتصادي الذي دار منذ قرابة ثلاثة قرون، عن دور الإدارة والتنظيم ورأس المال في زيادة الثروة. فحتى لا يكون الحوار الاقتصادي عبارة عن مهزلة في الأردن، ويسخف كل مقومات علم الاقتصاد، لا بد أن يلتزم فريق الحكم بالحد الأدنى من الثقة بأن الشعب الأردني يقرأ ويفهم. ففريق الحكم، يدعي أنه يفهم بالاقتصاد، وهم يدعون أنهم أذكياء، حتى أن بعضهم ممن كشفت ضحالته، بدأ يدافع عن نفسه بان الشعب الأردني لديه حساسية ضد الأذكياء. تحدي زيادة الإنتاجية لا يريد علماء وعباقرة. بل يريد أشخاصا بالحد الأدنى من العقلانية والأخلاقية تواجه تحدي زيادة الإنتاجية، باعتراف علمي وأخلاقي بأن هذه مهمة الإدارات وليست مهمة العمال.
وفي العالم، كل الثورة التكنولوجية التي تراكمت منذ الثورة الصناعية قائمة على أساس مفصل واضح ومحدد وهو تطوير نظم الإنتاج لزيادة الإنتاجية. ولكن لا يوجد شخص واحد يستغبي شعبا وأمة بأكملها كما يجري الآن من قبل الفريق الاقتصادي الحاكم في الأردن، والذي يريد تحميل العمال وموظفي الدولة مسؤولية زيادة الإنتاجية. فما هو دور ووظيفة المدراء والوزراء ومدعي التحديث الذين لا يتجاوز فهمهم للحداثة قوائم مشترياتهم؟ هل دورهم أن يسبوا عمال الأردن وموظفيهم لان إنتاجيتهم متدنية؟ أم أن التحدي المفروض عليهم هو تطوير نظم العمل والإدارة لزيادة الإنتاجية؟ هل سيكون كل ما تعلمه الجامعات عن علم الاقتصاد خطأ ومسخرة، حتى تمرر شلل الفهولة كذبتها على الأردن؟ هل عباقرة الفريق الاقتصادي يحتاجون لتكسير قواعد الإدارة والاقتصاد لتصبح مواقفهم المسبقة من الشعب الأردني صحيحة؟ هذه الأسئلة ليست للاحتجاج، بل لوصف ما آلت إليه الأمور. أنا من جيل يتذكر قصص المزارعين والرعيان عن كيفية تنظيمهم لعملهم بين الحقول والمراعي ومتطلبات فتح وتعبيد الطرق لقراهم. وكيف نظموا عملهم وساهموا في بناء المدارس في قراهم. الشعب الأردني حين وجد مشروعا واضحا وهو بناء دولة وجيش، تحول من كتلة كانت تعمل في اقتصاد ينتمي للقرون الوسطى، إلى ضباط وجنود وضباط صف، ومعلمين وأطباء ومهندسين، بنوا الدولة والجيش، والقضاء ونظام التعليم خلال جيلين. وكان يتحول راعي الإبل في الصحراء إلى جندي في واحد من أكثر جيوش العالم انضباطاً. ولكن لم يكن الراعي الذي يتم تجنيده مطالبا بوضع نظم الانضباط للقوات المسلحة الأردنية. بل كانت هذه وظيفة القيادة. والآن إذا تقدم العباقرة، وقدموا للشعب الأردني مشروعا وبرنامج عمل لتحويلهم إلى قوى منتجة بإنتاجية عالية في المصانع وورش الحرف، فإن لدى الشعب الأردني تجربة تثبت أن أبناءه قادرون على استيعاب ما يقدم لهم. ولكن هل هناك فعلاً فريق حاكم لديه مشروع للشعب الأردني؟ أم أن همهم الاحتجاج بأن الشعب الأردني متخلف ليبرروا سياسات النهب وبيع أصول الوطن؟ وحتى يكون بالإمكان الحديث بشكل واضح، لا يمكن لمدير أو وزير لا يعرف آليات العمل أن يطور ويزيد الإنتاجية. هؤلاء الوزراء والمدراء الذي باعوا أصول الوطن، لا يعرفون شيئاً عن الإنتاج، لذلك هم يتحدثون عن إنتاجية لا يعرفون معناها، ولا كيف يتم تحقيقها. إنها فكرة وتحد ألقاه الملك عليهم، وهم يريدون أن يحملوا الشعب الأردني مسؤولية عجزهم عن تحقيق أحلام الملك. المدير والوزير الذي يريد زيادة الإنتاجية عليه أن يعرف آليات العمل من ألف إلى ياء، بحيث يستطيع أن يعلم عماله كيف ينجزون مهامهم بوقت أقل وبمواد خام أقل، وبدقة أعلى، وبنسبة خلل أقل في السلع المنتجة. ولكن الذين هبطوا للإدارة والوزارة بالبراشوت، ولا يعرفون لا عن الإنتاج ولا عن المجتمع الأردني شيئاً لا يمكن لهم فهم هذا التحدي. إذ أن زيادة الإنتاجية شرطها إدارة تعرف وتستطيع أن تدير كل مدخلات العملية الإنتاجية وعلى رأسها العمال. فهل يعرف هؤلاء عمال الأردن؟ وهل يعرف الوزراء الكرام موظفيهم والمجتمع الذي ينتمي له هؤلاء الموظفون؟ هدف زيادة الإنتاجية هو معيار لعملية تغيير يقودها الملك. فمجرد أن يقولوا أن زيادة الرواتب مرهونة بزيادة الإنتاجية يعني أن هؤلاء ببساطة يخونون ثقة الملك، ويحاولون الاستخفاف بالشعب الأردني. ويستغلون أن الملك رجل بخبرة عسكرية وليس اقتصاديا وليس خبيراً في إدارة الصناعة، ولكنه زعيم يريد أن يقدم لشعبه حلولاً اقتصادية تديم عملية الإنتاج والتنمية، ويريد أن تنعكس هذه العملية على دخول المواطنين ومستويات معيشتهم. ولكن المسخرة التي لن تنطلي على الشعب الأردني ولن تنطلي على الملك، هي ربط شلل اللهط والمعط نصيب الشعب الأردني من عوائد التقدم والنمو بان يقوم العمال بزيادة إنتاجيتهم والمدراء الوزراء يغطون في الشخير، وفي تجهيز مزيد من الأكاذيب والمبررات لتسخيف الشعب الأردني. ولنتذكر أن الرئيس السوفييتي غورباتشيف بدأ ثورته بتحد فرضه على الإدارات السوفييتية للإنتاج، وهو مضاعفة الإنـــــتاج خلال خمــــس سنوات. لم يفرض التحدي على العمال السوفييت، بل على الإدارات. ولم يجرؤ مدير سوفييتي واحد بأن يلوم العمال بأنهم مسؤولون عن تدني الإنتاجية. كاتب من الأردن
القدس العربي.