الانتظار مهمة شاقة ... والذهاب إليك بعيدا لن يفاجئنا بأكثر من صباح ألقى حزم حنينه علينا وملأ الفراغ بين جسدينا بموسيقى فيروزية (يا جبل البعيد خلفك حبايبنا)...
لهفي عليك لم يمهلني كثيرا للسفر في الحنين ..فالرحلة بدأت قبل مجيئك بمتاع قليل ولن تنتهي إلا على سلالم الأفق .
هل آن الأوان لأدلي بكل هذي الاعترافات وأخربش على صفحات طفولتك ...من أول لقاء أنا رجل من كلام وفي آخر الحب أنت امرأة من حلم . كيف أشفى منك .
وأنا الهارب من عتبات الطفولة تطاردني شتائم أبي وبصاقه ويمينه بطلاق أمي إن بقيت في هذا البيت ... أغلق خلفي النوافذ والجدران ومزق صوري وشهادة ميلادي ...تركته خلفي متسائلا كيف نجح أوديب بقتل أبيه .
بعيدا بعيداً ذهبت ولم افعل كسقراط التي لم تعطه الحياة سوى كأس سم تجرعه على غفلة من قلب ملوث بالطيبة وعينين ساطعتين في العتمة ...
عمري ثلاثون وردة ذابلة ومئات الرصاصات والسجائر والأقلام والسجون والورق والأغاني الثورية ..ولدت في وطن لا يعرفني حتى صار الحلم وطني أركض في عينيه كطفل يبحث عن ثدي أمه لترضعه نجوما حافية القدمين .
ألمك دواؤك ...وكذب من قال حياتك من اختيارك ...فلو كان بيدي لاخترت أن أولد بدون أب ..بدون اسم عائلة كبيرة وأفعال صغيرة ... لتخلصت من دماء أسلافي من عروقي وأحببتك أكثر من حب آدم لجنته ... لكني ذُقت الشجرة ونلت الرجولة من امرأة عابرة.
في شارع ما ... في مدينة ما التقيتك تتأبطين كتبك وبساطتك وفرحا متوهجا ... سقطت كقطرة ماء في بحر وكجسد مسكون بالجوع ركضت أفتش في حضنك عن لحن يُنسيني من مضغوا أسمالهم وماتوا عراة ...ويجفف دمع تعاستي حين أقرأ لك خبر ثري عربي يشتري ملابس داخلية لعاهرة روسية .
حبيبتي خبئيني في قبلة ممتلئة بمواسم الفرح والأعياد .
إنني أتنفس بحرية ... في غرفة صغيرة جمعتنا ..لدينا الكثير من الكتب والقليل من الأصدقاء ... نسينا الزمن خلف ظهورنا وامتطينا شهوة الحلم .. تشابكت قلوبنا وأصابعنا ونحن نحتسي قليلا من الدهشة ...من البكاء .. من الكتابة ... كثيرا من الحب لنتنفس بحرية .
ما زالت الغرفة تفتقدك وتفتقد ضحكتك المضيئة كما أفتقد عجوزا تسمى أمي علقت ملابس العيد لطفلها الذي ظنت انه سيعود من الباب الخلفي للبيت ... يدخل كالهواء ... كالماء ترتوي منه ... تريد أن تضمه كما ضممتك وتسمع حديثه عن أشياء لا تفهمها عن الامبرالية ... الاشتراكية .... الماركسية ... عن الأحذية والجواسيس والطائرات التي تطعم البشر القنابل ... عصر مفخخ بالعنف ... لن يعود طفلك أيتها العجوز فخمرة الأرض أغرته ولم يدرك بعد أنه بشر على قيد الزوال .
حبيبتي ... كلهم يملكون الوسائد والأغاني والذكريات والسعال ... لكنهم لا يملكون قلبا ضمك إلى رئة ممزقة بالقبلات ...
ما زلت بانتظارك ولن أنكر أبدا أنني أحببتك .
Nahed19762002@yahoo.com