جولة نتنياهو الإفريقية .. المغزى والهدف
اسعد العزوني
13-07-2016 10:40 AM
ليسوا مثلنا، فهم عمليون في كل شيء، يعتمدون في كل تقييماتهم وتحركاتهم على البحوث والدراسات، بمعنى أنهم "يقيسون قبل أن يغوصوا"، كما يقول المثل الشعبي، أما نحن العرب فنتصرف حسب نظام الفزعة، ولذلك لا ننجز شيئا ولا ننجح في نسج علاقة مع أحد، وعلى العكس تماما، نحن الذين أجبرنا العديد من دول العالم على إقامة علاقات مع مستدمرة إسرائيل، لأن أحدا لا يحب إقامة علاقة مع ضعيف منهزم مثلنا.
ما جعلني أفتح هذا الملف هو العلاقات الإفريقية –الإسرائيلية، وجولة رئيس وزراء مستدمرة إسرائيل الأخيرة الملفتة لإفريقيا، وعقده قمة مع دول أعالي النيل وفي المقدمة الرئيس الإثيوبي، ومعروف أن إثيوبيا تعمل ضد العالم العربي وتحديدا ضد المحروسة مصر والسودان، من خلال إقامة سد النهضة الذي سيؤثر سلبا على حصص مصر والسودان المائية من نهر النيل، ولست كاشفا سرا عندما أقول أن مستدمرة إسرائيل هي التي تقف وراء هذا المشروع التخريبي، للعبث في مصر على وجه الخصوص، علما أن الساداتوقع معاهدة كامب ديفيد مع مستدمرة إسرائيل عام 1979، وأخرج مصر من ساحة الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي.
للتذكير فقط، فإن كلمة المحروسة مصر عندما كان يحكمها الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، كانت نافذة في إفريقيا، ولذلك قامت غالبية الدول الإفريقية بقطع علاقاتها مع مستدمرة إسرائيل، تضامنا مع المحروسة مصر، إثر هزيمة عام 1967، لكن معاهدة كامب ديفيد أجبرت هذه الدول على الإرتماء مجددا في حضن مستدمرة إسرائيل، ونكون بذلك قد أسأنا التعامل مع أحكام وقواعد الصراع، واجبرنا أصدقاءنا على الإصطفاف مع اعدائنا.
قبل أربعين عاما أجبرت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين طائرة "إلعال "الإسرائيلية على الهبود في مطار عينتيبي في أوغندا، وكان الرئيس الأوعندي آنذاك منحازا للقضايا العربية ومؤيدا للقضية الفلسطينية، وأعطى اوامره لجيشه بالإستعداد التام لمنع أي محاولة إسرائيلية من إختراق الأراضي الأوغندية، رغم الضغوط والإغراءات الإسرائيلية، ما جعل مستدمرة إسرائيل تفتح خطا مع كينيا عدوة اوغندا، وجرى ما جرى عن طريق الأراضي الكينية.
وقبل أيام توجه نتنياهو جولة لزيارة إفريقيا بدأها بكينيا للإحتفال بالذكرى الأربعين لعملية عينتيبي الإسرائيلية، ولتقديم الشكر لكينيا على ما قدمته من مساعدات ودعم لمستدمرة إسرائيل، وكان نتنياهو قد نسّق لقمة مع رؤساء دول حوض أعالي النيل، وفي مقدمتهم الرئيس الإثيوبي.
الشق الثاني من زيارة نتنياهو لإفريقيا وأعني بذلك قمته مع رؤساء دول حوض اعالي النيل، يهدف إلى العمل علانية وعلى رؤوس الأشهاد ضد المحروسة مصر أولا وأخيرا ثم السودان، ولا أحد ينكر أن مستدمرة إسرائيل بتحالفها القديم مع جنوب السودان قد ألحقت الأذى بالسودان، وفصلت الجنوب عن الشمال، تماما كما فعلت مع أكراد العراق في الشمال وفصلتهم عن العراق.
وكما نشهد اليوم فإن صراعا دمويا تفجر في "دولة" جنوب السودان بين الرئيس ونائبه، وكل ذلك بدعم من مستدمرة إسرائيل التي تعمق الخلاف بين الجناحين المتصارعين حتى تبقى هي المنقذ للطرفين حسب تخيلاتهما، ولا ننسى أن نهر النيل الأبيض هناك، وأن إسرائيل تريد فرض واقع جديد هناك، وربما تستغل نزف الدم الحالي لتحقيق هدفها.
والغريب في الأمر أن مستدمرة إسرائيل وعن طريق حلفائها ووكلائها في الإقليم والعالم تواصل ضغطها على السودان لإقامة علاقات مع مستدمرة إسرائيل، وقد سمعنا مؤخرا أن الحكومة في الخرطوم ناقشت إمكانية ذلك، و ربما كان إجبار السودان على فك التحالف مع إيران والإشتراك في التحالف العربي العسكري في اليمن، يصب في نفس الهدف.
ونتخوف كثيرا من أن رضوخ السودان للضغوطات من أجل الإعتراف بإسرائيل سيمكن هذه المستدمرة من نهب مقدرات السودان، ونسج علاقات علنية ومكشوفة مه الطراف لتشجيعهم على افنفصال كما فعلت بجنوب السودان.
الطامة الكبرى أن صانع القرار السياسي في مصر، وبدلا من التحرك المضاد ضد مستدمرة إسرائيل، قام بالتأمين على ما فعله نتنياهو، وتمثل ذلك في إرسال وزير خارجيته إلى تل أبيب لطلب الوساطة الإسرائيلية مع إثيوبيا حتى لا تستكمل بناء سد النهضة الإثيوبي ضد النحروسة مصر والسودان، وقد موقفا سياسيا غير متخيل لإسرائيل بأن دعا الفلسطينيين والإسرائيليين بإستئناف المفاوضات لإقامة دولة فلسطينية وتحقيق الأمن لإسرائيل، ولا ندري أي تقدير هذا، ومن أوحى له بردة الفعل هذه.
والسؤال الملح هو : ألا يدرك صانع القرار المصري أن موضوع المفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية التي إستمرت ثلاثة وعشرين عاما لم تثمر عن شيء، وأن إسرائيل كانت تفاوض نفسها، كما أن مستدمرة إسرائيل لا تريد سلاما من أحد وأن امريكا و فرنسا مؤخرا حاولتا زحزحة الأمور قليلا، لكنهما جوبهتا برفض مطلق من قبل مستدمرة إسرائيل؟