عندما تتعثر سبل الاصلاح، فان الرغبة في التحول لبرنامج اصلاح حقيقي، قد جاء بسبب الانتفاضات التي تمت في العالم العربي,وهي ليست غاية بحد ذاتها ولكنها حالة انفجار تحدث بسبب ذلك التغير.
ما هي تطلعات الشعوب في دول الثورات العربية ؟
انها تطلعات من صنف ما يتمناه البشر جميعا في كل انحاء العالم، من العيش الكريم والعمل اللائق والتعليم والصحة وضمان مستقبل الابناء والعيش بكرامة في الوطن.
لكن ماذا تحقق منها؟ فلم يتحقق الا القليل.
من الممكن ان نتفهم ان الاصلاحات تتطلب فترات أطول من سنوات خمس للسير باتجاه صحيح وواعد، لبناء الانسان من خلال التعليم والصحة ودولة القانون والعمل الاجتماعي والمجتمع المدني القوي.
ليس المقصود ان الوضع في دول الثورات العربية كان جيدا في الماضي،فلو كان جيدا لما حدثت هذه الثورات،ولكنه اليوم اكثر سوءا من الماضي.
هذا هو عين الخسارة والغبن،ان يموت آلاف البشر,ويشرد الملايين،وتدمر اوطان بكاملها،ثم لا يتحقق شئ من تطلعات الشعوب.
مع ذلك ثمة طائفتان لن تؤثر فيهما اشلاء الموتى ولا مناظر الدماء ولا بكاء الثكالى ولا يتم الاطفال في العراق وسوريا وليبيا واليمن.
أولاهما فئة تجار الحروب أفرادا وجماعات ودول صغرى وعظمى،والذين يغنمون من الدمار،وثانيهما فئة تجار الايديولوجيات الذين لا يهمهم الانسان وانما تهمهم القضية المتعالية على الانسان الذي يضحي به من اجلها،وكثيرا ما يلتقي هؤلاء باؤلئك رغم تباين المنطلقات بالتقاء الضباع بالكواسر حول اشلاء الموتى.
ياخذون على عاتقهم تبييض الدمار والتبريرات للخراب،من اجل حرصهم على اخلاقيات الشعوب،لكن سلوكهم هو تعويض عن الفشل بالمزايدة على المبادئ والمثل العليا،مما تسبب اما في الفوضى او معالجة الفوضى بالعودة للاستبداد،حيث تتقمص حارس الاخلاق،كلما احتدمت الازمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية،وذلك سعيا الى تفريغ هذه الازمات من محتواها،وللايحاء بانها ناتجة عن ازمة اخلاق وضمير,وبالتالي تحميل المجتمع المسؤولية عن فشل السلطة في معالجتها.
الصبغة الاخلاقية للسلطة سواء اصولية او استبدادية تؤدي في كثير من الاحيان وظيفة سياسية،تهدف الى اعفائها من مسؤولياتها عن الازمات التي تضرب البلاد،فيصبح الفقر والتهميش والبطالة والفساد والاستغلال وانهيار التعليم وتدني الخدمات وغيرها،مجرد نتائج لازمة ضمير واخلاق،بينما ترجع في الحقيقة الى فشل الانظمة منذ عقود عدة.
قال جان جاك روسو منذ اربعة عقود بان الانظمة يمكن ان تخرج احسن ما عند الشعوب،ويمكن ان تخرج اسوأها.....
لقد اطلقت الثورات العربية آمالا عريضة وفعلية,كان يمكن ان تمهد لعهود جديدة من المنطقة كلها،اما بتنفيذ الاصلاحات الضرورية في دول الثروات ذاتها او بالدفع الى الاصلاح في غيرها تجنبا لمصائر مماثلة.
هكذا كان يمكن ان تراجع المجتمعات نفسها باتجاه ترسيخ المواطنة والمساواة بعيدا عن الطائفية والعنف،وتحقيقا لمزيد من الاندماج في الوطن بين الجميع
لكن بعد مرور خمس سنوات تبين ان هناك عناصر كثيرة كانت اقوى من هذه التطلعات والآمال،منها الحجم الكامل للفساد الذي لم يتراجع باطاحة هذا الرئيس وذلك النظام.
لقد تأكد انه كان اعمق بكثير من البنية الفوقية التي تجسدها الانظمة الحاكمة.
يعود السبب ايضا الى التدخلات الاجنبية الضاغطة التي حولت دول الثورات العربية الى اراض مفتوحة على المشاريع والاطماع الاقليمية والدولية،وربما
لاعادة رسم الحدود والاوطان.
هناك مثال بان الحكومة السويسرية قدمت مشروع قانون لاعطاء كل مواطن سويسري مبلغ 2500 دولار شهريا سواء كان هذا المواطن يعمل ام لا يعمل
ولكن باغلبية ساحقة في استفتاء شعبي رفض الشعب هذا الاقتراح،حتى لا يتحول الشعب الى شحادين,والاتزيد البطالة والخمول والكسل وتتاثر الصناعات ويتراجع الاقتصاد الوطني وتتاثر التنمية والتقدم.
ومن الطبيعي عندما تكون الحكومات عادلة فتكون الشعوب متحضرة.
الشعوب الحية التي تحافظ على امتها ومكتسباتها وتطوير ابنائها ورفع مستواهم.
سال الملك وزيره ما اهم ما يميز المرء؟
قال :عمل ينتفع به,قال وان عدمه,قال:مال يستره ويتصدق به،قال:وان عدمه؟قال:أخلاق يتحلى بها،تقربه من الله والناس،قال:وان عدمه؟قال: صاعقة تحرقه،تريح منه البلاد والعباد.
قال الامام الشافعي:
ضحكت فقالوا الاتحتشم بكيت فقالوا الا تبتسم
بسمت فقالوا يرائي بها عبست فقالوا بدا ما كتم
صمت فقالوا كليل اللسان نطقت فقالوا كثير الكلم
حلمت فقالوا صنيع الجبان ولو كان مقتدرا لانتقم
بسلت فقالوا لطيش به وما كان مجترئا لو حكم
يقولون شذ اذا قلت لا وامعة حين وافقتهم
فايقنت اني مهما ارد رضى الناس لا بد ان اذم
المطلوب اليوم هو ان يتوجه التفكير الى رؤية واقعية وانسانية للوضع العربي,تنطلق مما يمكن تحقيقه في ضوء ضبابية السنوات الماضية, ويأخذ بالاعتبار ان الهدف الاول والاخير لكل حركة في التاريخ هو الانسان,فلا فائدة من انتصار يأتي بعد القضاء على البشر,ولا فكرة ولو جميلة ونبيلة يكون ثمنها مجتمعات بكاملها.
dr.sami.alrashid@gmail.com