الأردن وحماس : تنويع في الخيارات لا استبدال التحالفات
ياسر ابوهلاله
22-08-2008 03:00 AM
عندما استقبل رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة الشيخ خليفة بن زايد رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية حماس خالد مشعل في 16حزيران الماضي تذكرت ما قاله لي مشعل عندما التقيته في دمشق قبل زهاء عام " لدينا علاقات جيدة مع كل الدول العربية باستثناء الأردن والإمارات " .
فاللقاء جاء بعد عشر سنوات من آخر لقاء استقبل فيه الشيخ زايد الشيخ أحمد ياسين بعد الإفراج عنه . الإمارات ليست على تماس مباشر على القضية الفلسطينية وشعبها لم يكن متحدا مع الضفة الغربية ومع ذلك تفتح صفحة جديدة مع حماس . ولا ينقلها ذلك من دولة معتدلة ضمن ما عرف بالرباعية العربية إلى دولة ممانعة مع إيران التي تحتل جزرها .
ولا يمحي من الذاكرة أن حماس صادرت في عز مواجهاتها مع فتح في غزة شحنة سلاح إمارتية كانت مقدمة لأجهزة أمن السلطة . وبحسب ما سربته الصحافة الأميركية فإن تمويل الحملة على حماس كان إمارتيا . تلك كانت إشارة مهمة إلى أن الأردن ممكن أن يغير موقفه المتشدد من الحركة .
بعدها بشهر تقريبا فتحت " صفحة جديدة " مع الأردن . واعتبر أن 21-7-2008 هو بداية لمرحلة غير مسبوقة في العلاقات . صحيح أن الشعرة الأمنية لم تنقطع بين الحركة والأردن حتى بعد إلغاء زيارة محمود الزهار واتهام حماس بتهريب وتخزين سلاح واستهداف ضباط مخابرات . اللقاءات الأخيرة كانت "مختلفة " .
قبل 21-7 كان يمثل الحركة في اللقاءات محمد نزال ومحمد نصر ( عبدالدايم ) ، كانت لقاءات استطلاع وجهات نظر وتبادل رسائل غير مباشرة ومراجعة ومحاسبة لاختراقات متبادلة . بخلاف لقاءات الصفحة الجديدة التي كان عنوانها شراكة سياسية لمواجهة المخاطر التي تهدد القضية الفلسطينية والأردن .
حرص الطرفان على إبعاد اللقاءات عن الإعلام ، وهو ما نجح جزئيا إذ بدأ التفاعل الإعلامي معها بعد حوالي شهر .
ولم تخرج تصريحات إلى العلن على لسان مسؤولين في حماس إلا في خطبة الجمعة(13-8-2008) التي رحب فيها رئيس الوزراء المقال إسماعيل هنية بالحوار مع الأردن . في الأثناء كانت قد عقدت أربع لقاءات وحضر للمرة الأولى عضو المكتب السياسي المبعد عزت الرشق إلى عمان للمرة الأولى منذ إبعاده في العام 1999.
مخاوف من العلاقة لا شك أن الطرفين حريصان على حياة العلاقة الوليدة . والتحديات التي تواجههما ليست سهلة .
فالترحيب والارتياح العام لا يخفي مخاوف أطراف كثيرة لا يسرها التطور في علاقة الأردن وحماس . فالإسرائيليون يريدون خنق الحركة والرئة الأردنية يمكن أن تضخ منها أكبر كمية من الأوكسجين ، ومع إدراكهم أن الأردن لن يعود إلى ما قبل 1999 يوم كانت عمان مقر قيادة الحركة إلا أنهم يعلمون جيدا أن استدراة حصلت لا يعرفون مداها وهي بالنتيجة لن تكون في صالحهم . لا يختلف الموقف الأميركي الراهن عن الموقف الإسرائيلي كثيرا في عدائه للحركة ورفضه الاقتراب منها .ذلك الرفض لا يلزم حلفاءها بشكل حاد .
ولم يحصل أن وجه الأميركيون انتقادات علنية لدول حليفة بسبب علاقاتها مع حماس . في المقابل تكيل الاتهامات لإيران وسوريا بسبب علاقتهما مع حماس . وكثيرا ما توسع السياسة الأميركية هامش المناورة للحلفاء .
ذلك كله لا يعني أن الأميركيين ينظرون بعين الرضا للقاءات ، وقد تفاجؤوا بها وهم حريصون على استيضاح حقيقتها . وبعيدا عن المجاملات يمكن ملاحظة قلق السلطة الفلسطينية من التطور في العلاقة . حتى عرفات في عز قوته لم يكن راضيا عن الأردن بحماس . فكيف بسلطة متداعية . ركض الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى عمان لاستيضاح ما حصل . خصوصا أن عمان ظلت العاصمة العربية الوحيدة المجافية لخصمه اللدود حماس . ولم يصدر عنه ترحيب بالتطور الذي حصل وهو ما يشي بعدم الرضا .
المواقف العربية تتفاوت ترحيبا وحذرا . فالمصريون يريدون أن تظل حماس ورقة بيدهم . واللقاءات جاءت في ظل برود في علاقة مصر وحماس .
بعد فشل المصريين في إدراة ملف مفاوضات شاليط وتعنتهم في قضية المعبر وتشددهم في مقاومة التهريب . لا يشعر المصريون بمنافسة مع سورية باعتبارها دولة ممانعة لكنهم يشعرون بالمنافسة مع دولة مثل الأردن لديها ذات شبكة العلاقات ، وربما أقوى ، مع الأميركيين والإسرائيليين .
أما السوريون فلا يشعرون بمنافسة مع الأردن باعتباهم دولة ممناعة تعمل في حيز استراتيجي آخر ، وهم يرون في العلاقة مع حماس تأكيدا على صحة مواقفهم السابقة . لماذا حصل التطور ؟ ارتبط التطور بعوامل محلية وإقليمية ودولية .
محليا لا بد من تجفيف منابع التوتر مع الإسلاميين ، وقد تزامنت اللقاءات مع حماس بأخرى مع الإخوان . وبعيدا عن الاتهامية تعتبر الحركة الإسلامية واحدة في الأردن وفلسطين وإن تمايزت تنظيميا .وتقوية الجبهة الداخلية مهم لاعتبارات كثيرة ، فالوضع الاقتصادي الخانق يجعل البلاد غرفة مملوءة بالغاز والإسلاميون في حال التوتر يصلحون عود ثقاب وفي حال الاستقرار هم إطفائية حريق . وهم الجهة الأقدر على ترشيد الشارع وحماية الوحدة الوطنية باعتبارهم الحركة الوحيدة العابرة للضفتين .
على أهمية العامل المحلي يظل الإقليمي والدولي متقدما عليه . ما حصل في غزة والضفة الغربية يكاد يكون قضية داخلية أردنية في بلد نصف سكانه من أصول فلسطينية .
ومن الواضح أن حركة حماس اكتسحت الشارع بقوة صناديق الاقتراع وصانت بقوتها العسكرية إنجازها السياسي ، وخلال عامين صمدت في ظل حرب ضارية عليها شارك في الشقيق الفلسطيني والعربي . استتب الأمر لحماس في غزة ، وهي في الضفة لها أكثرية النواب والبلديات وحافظت على حضورها في الانتخابات الطلابية والنقابية .
وبحسب مسؤول أردني " جرت في الضفة الغربية انتخابات بين عباس ومشعل لفاز مشعل " . الفرق الوحيد بين الضفة وغزة أن الجهاز العسكري لحماس في الضفة لا يعمل . وفي حال انهيار السلطة ستكون حماس جاهزة لبسط نفوذها على الضفة الغربية .
ولو جرت انتخابات رئاسية نزيهة يصعب على عباس الاحتفاظ في موقعه . في ظل الإجرام الإسرائيلي والدعم الأميركي والتعامي الغربي يحتاج الفلسطينيون إلى حماس دليلا على أنهم شعب لا يزال على قيد الحياة .
وفي الوقت الذي تصمد فيه قيادات حماس وتفاوض بقوة على الأسرى وتصد العدوان يكتفي قادة السلطة بالصور مع المسؤولين الإسرائليين والأميركيين . الذي يغري في التقارب مع حماس ليس قوتها الخاضعة لمعايير الهبوط والنزول ، وإنما ما يمكن وصفه ب" نهاية فتح " .
فقطاع فتح الذي شهد ميلاد فتح وصعودها شهد نهايتها الدرامية حتى آخر مربع لعائلة حلس . وأكثر المتفائلين والمتعاطفين مع فتح لا يملك إجابة كيف يمكن إعادة الحياة للحركة التي تحولت في أحسن الأحوال إلى كوادر ترتبط براتب آخر الشهر .
وفي مصالح الدول لا تذرف الدموع على الجثث . وكانت جثة فتح تتمزق من أين أراد الأردن تسنيدها . وضع المسؤولون الأردنيون في السابق كل بيضهم في سلة السلطة وفتح . وخاب الرهان بشكل فاجع . لم تنتقل كل البيضات إلى سلة حماس ، بدأت تمتلأ سلة حماس الفارغة . هذا تنويع في الخيارات وليس استبدال لخيار على حساب الآخر .
فإن حصلت معجزة واستعادت فتح عافيتها ستجد أن سلتها غير خالية . ما جرى في غزة حلقة في سلسلة هزيمة " محور الاعتدال " في المنطقة . ولبنان شكل النموذج الساطع . فأميركا لم تعد هي هي تلك القوة الباطشة التي أسقطت نظامي طالبان وصدام .
هي قوة نازفة اليوم في أفغانستان والعراق ، ولم تتمكن من إقامة البديل ، وتركت البلدين نهبا للفوضى والجوع والخوف و.. المقاومة . لا ترفع أميركا راية بيضاء وتنسحب ذليلة من العالم الذي اجتاحته ، لكنها وفي ظل الإدارة الجمهورية بدت مرتبكة متخبطة تغير سياساتها وفق اعتبارات ميدانية وحسابات انتخابية وأحيانا إعلامية . حماس لم تقاتل أميركا ، في العراق فصائل قاتلت أميركا ولم يجد الأميركيون حرجا من حوارهم ضمهم لما عرف ب" الصحوات " ، فمن يضمن ألا يأتي يوم تحاور فيه حماس سعيا لإقناعها بحل الدولتين ؟ لو جاء أوباما فالمرجح أن يغير الموقف من حماس . خصوصا أن روبرت مالي أحد مساعيه سبق وحاور حماس واستقالاته جاءت حماية لأوباما لا انقلابا على قناعاته . إسرائيليا ، يراوح الوضع بين جمود وفوضى في احسن الأحوال أو سياسة عدوانية تجاه الأردن إن فاز نتيايهو وهو الاحتمال الأسوأ .
وفي بلد تعتبر القضية الفلسطينية مسألة داخلية فيه . لا يمكن انتظار الأسوأ حتى يقع . الانفتاح على حماس استباق للقادم . وعودة إلى الأصل . فحماس دخلت الأردن من أبوابه في مطلع التسعينات ، ولم تتسلل من الشبابيك . واليوم فتحت الأبواب لكن ليست على اتساعها السابق .
نقلا عن السجل