اندهشت بشكل صادم حين تحدث معي أحد الأصدقاء، وذكر لي أن عائلتهم عائلة ثرية وتملك أراضي وممتلكات في البلاد، واستطرد يروي حال العائلة الكبيرة والثرية، ثم جاءت الدهشة فجأة حين قال إنهم تقاسموا مواريثهم الوافرة قبل سنوات، وحصل الرجال على نصيب كبير لكل منهم ولكن النساء لا نصيب لهن، ثم راح يؤكد، بعد إلحاح مني، أن التقاليد العائلية في البلاد، هي هكذا، بمعنى أن المرأة مستبعدة من الميراث، وأكد أن هذا عرف متفق عليه ويمارسه الرجال بتلقائية مسلم بها ولا يترددون فيه، وفي المقابل فإن النساء تسلّم بهذا العرف ولا تفكر أو لا تجرؤ على الاعتراض عليه ولو حدث أن حاولت سيدة الاعتراض فإنها لن تجد من يقبل منها أو يعضد موقفها. كان يروي القصة وهو رجل مثقف ولديه من الحس الإنساني قسط ظاهر لكنه ذكر لي أنه لا يستطيع أن يكتب عن القضية ولا أن ينقدها خشية الحرج مع عائلته، وقال إنه هو بنفسه قد أخذ ميراثه ولم يشارك شقيقاته بشيء، ولم يشأ أن يغير الوضع لأنه سيفتح بابا من المشاكل الاجتماعية على شقيقاته.
هذه صورة من الأعراف الظالمة حين يمتنع القادرون علميا وأخلاقيا عن نقدها وتعريتها وحين تتقاعس التشريعات عن أداء دور العدالة، وكذلك حين تخاف المرأة أن تتصدى لحقها رهبة من سلطة المجتمع والأعراف!
تلك اعلاه، مداخلة للكاتب عبد الله الغذامي، قرأتها في مكان ما، ووضعتها في «سلة موضوعات» لأعود لها، كي لا أنسى، وهي تعكس واقعا نعيشه في بلاد الشام تحديدا، وربما في بقاع أخرى من بلاد العرب والمسلمين، حيث يحرص القوم –أو غالبيتهم على الأقل- على القيام بكل الطقوس العبادية، حتى إذا تعلق الأمر بالميراث، توقف الأمر عند الأبناء الذكور، وحُرمت النساء مما تستحق، ولعل أصل هذا الحرمان الذكوري البشع، متعلق بزواج امرأة من «غريب» أي من خارج العائلة، وحرص ابناء هذه العائلة أن لا يشاركهم في أملاكهم نسيبهم ال «غريب»، فيحرمون أختهم من ميراث كتبه الله تعالى لها، ولربما تشعبت وامتدت الظاهرة لهذا السبب او ذاك، حتى صارت عرفا في كثير من الأسر!
إنها صورة من صور اضطهاد المرأة، وزيغ عن تطبيق نص معتمد، له قداسة كاملة، يلجأ لتطبيقه حتى غير المسلمين في مجتمعاتهم، لما يتمتع به من حس عميق بالعدالة، ويتركه اهله اتباعا لهوى مجتمعي، وتراكم عادات وتقاليد بشعة، تدفعني للصراخ بأعلى صوتي، للنساء كي لا يسكتن عن حقهن هذا، مهما كلفهن الأمر من تضحيات، ولا تخليص لحق بلا تضحية، فما يتركه الآباء والأمهات حق للذكور والإناث على حد سواء، وفق ما استقر عليه الأمر في فقه الميراث، وهذه دعوة للذكور من أهل الذكر خاصة، لان لا يضعوا في بطونهم وبطون أهليهم زقوما، ليس من حقهم أن يأكلوه، ثم ينقلب عليهم حسرات في الدنيا قبل الآخرة!
الدستور