ضمن المتوالية العربية وكيمياء تحويل النعمة الى نقمة، اصبحت التكنولوجيا في اعلى مراحل تطورها في خدمة الخرافة، بالامس شاهدت اعلانات على احدى الشاشات لو قرأت ما يشبهها في كتاب لقلت انه من مخلفات القرون الوسطى او ان احد السحرة والمشعوذين قام بتأليفه على طريقة ما نسميه في الامثال الشعبية رزق الهُبُل على المجانين، لكن الاعلان يقدم باسلوب جاد ويتعهد من صاغه بأنه علمي ومدروس بعناية خبراء واخصائيين .
الاعلان مخصص لمن يبحث عن الحب ولا يجده، وللمطلقات والحالمين باستعادة الشباب وهو باختصار ان هناك شيخا وزوجته يستطيعان تحقيق المعجزات، وهما لا يقدمان للمرضى من الزبائن اي دواء ويكتفيان بقراءة بعض العبارات وتمرير الكف حول الرأس وثالثة الاثافي في هذا الاعلان هي العبارة التي تقول ان نتائج العلاج كانت مئة بالمئة وعادت المطلقات الى ازواجهن وشفي المرضى من اورام خبيثة، ووجد الباحث عن الحب نفسه وكأنه حجر مغناطيس والنساء من حوله مثل برادة الحديد .
في البداية لم اصدق ما سمعت وظننت نفسي اهذي او اتخيل وكان علي ان انتظر ما يقارب الساعة حتى اسمع الاعلان مرة اخرى، وتساءلت اين الدول والعلماء والجامعات والمستشفيات والاطباء والمثقفون والمثقفات من كل هذا ؟ وهل بالفعل هناك بشر يعيشون بأجسادهم في الألفية الثالثة لكن عقولهم مُحنّطة في القرون الوسطى او ما قبلها ؟
هكذا حَلّت لعنة التكنولوجيا وليس لعنة القراعنة كما يقال على مجتمعات لم تخترع غير اسباب الموت وثقافة النميمة والانتحار، وهي تخصصت في افساد ما يخترعه الاخرون لاستخدامه على نحو معكوس، فالانترنت وجد من يخضعه للجهل وكذلك الفاكس والهاتف وحتى ابواق السيارات ...
ولا أدري كيف يمكن لانسان يضع قدما في القرن السادس عشر وقدما في القرن الحادي والعشرين ثم يزعم بأنه قادر على المشي !!
الدستور