نحن بلد شديد الفقر, قليل الإنتاجية, عالي المديونية على الصعيدين الفردي و الجماعي, وهذا واقع يفرض علينا أن نكون شعبا نشيطا يسعى إلى رفع مستوى إنتاجيته إلى حدها الأعلى, ليوقف ارتفاع مستوى مديونيته وما يترتب عليها من فوائد, وخدمة ديون, وليخفف من معاناة فقره,ولضمان مستقبله ومستقبل أجياله, غير أن ما يجري على أرض الواقع عكس ذلك كله, فكل ممارساتنا تصب في تعميق حالة الفقر والعوز, وتكرس غياب الإنتاجية إلى ما دون الصفر. وتزيد من مبررات مديونيتنا, والأدلة على ذك أكثر من أن تحصى, لكنني سأتحدث عن مثال واحد عشناه بوضوح, وهو مثال يؤكد على أننا تحولنا إلى شعب كسول غير منتج, يبحث عن مبررات لكسله وعدم إنتاجيته,ويتفنن في البحث عن ذرائع وأسباب لتكريس هذا الكسل وعدم الإنتاجية, مستغلاً أي مناسبة لممارسة ذلك, وخير مثال على ذلك أن العبارة التي صارت مألوفة وتسمعها في كل مكان خاصة في العشرة الآواخر من رمضان هي (خليها بعد العيد), وهي عبارة لابد أن كل من راجع وزارة أو دائرة أو مؤسسة في القطاعين العام والخاص أو طلب من صديق أمراً قد سمعها. وكأن رمضان شهر كسل يبرر تأجيل هذا الكم الهائل من معاملات المواطنين وقضاياهم وارتباطاتهم. آخذين بعين الاعتبار أمرين أولهما أن نسبة لا بأس بها من الموظفين لا يصومون رمضان, ومع ذلك يتذرعون بالصيام لتبرير كسلهم وعدم قيامهم بواجبات وظائفهم,أما ثانيهما فهو من قال أن رمضان شهر كسل وعدم إنتاجية, وكلنا يعلم أن رمضان هو شهر الانتصارات الكبرى والتحولات العظمى في تاريخنا, يوم كنا نفهم ديننا وشعائرنا على حقيقتها, فنأخذ بأسباب الحياة وسبل الإنتاجية ونقتدي بهدي رسولنا عليه السلام, الذي كان يقول عن اليد المنتجة أنها يد يحبها الله ورسوله, ويوم كنا نفقه آيات الله التي طالما ربطت العبادات بالعمل والإنتاجية.
عندما حثت على الانتشار في الأرض بعد صلاة الجمعة, وعلى طلب الرزق والمنفعة مع أداء مناسك الحج, وغير ذلك من الآيات والأحاديث التي تحث على العمل والإنتاجية وتعتبرهما باباً من أبواب العبادة المحببة لله ورسوله, مما يتناقض مع ممارستنا للكسل في رمضان وتذرعنا بالصيام لتأجيل إنجاز الأعمال, متناسين تحذير رسول الله للمؤجلين والمسوفين من الهلاك وهذا إرشاد نبوي يحذرنا من عاقبة التأجيل الذي صار جزءا من ثقافتنا الشعبية في رمضان وغير رمضان, فلئن كنا نؤجل معظم أعمالنا إلى ما بعد العيد, فإن الراصد لسلوكنا الاجتماعي يجد أننا صرنا نتحين كل مناسبة لنتذرع بها لتأجيل أعمالنا, فما هي إلا أسابيع على انقضاء رمضان حتى نجد في اقتراب موسم الحج وعيد الأضحى مبرراً لتأجيل أعمالنا إلى ما بعد العيد, ومثل العيدين كذلك الحال في كل مناسبة وطنية فيها عطلة رسمية مدتها القانونية يوم واحد لكننا نحولها بكسلنا إلى أيام, خاصة إذا صادف يوم العطلة منتصف الأسبوع حيث يسري شلل التأجيل من بداية الأسبوع إلى نهايته بذريعة بعد (العطلة) التي صارت جزءا من سلوكنا العام الذي يؤكد أننا شعب كسول غير منتج, صرنا نمتاز بكثرة أيام العطل على مدار السنة,والتي يكاد المعلن منها يصل إلى أكثر من ثلث أيام السنة, فمن عطلة نهاية الأسبوع لمدة يومين, إلى عطل الأعياد الدينية, إلى عطل الأعياد والمناسبات الوطنية, إلى الإجازات السنوية والمرضية والعارضة, وإجازات الوفاة, إلى عطل العواصف الثلجية, إلى ساعات المغادرة المتكررة للموظفين, وكلها ممارسات لاعلاقة لها برمضان وشعائره لكنها تعكس ثقافة سلبية صارت تحكم سلوكنا, وتكرس كسلنا وعدم انتاجيتنا, وهي في صورة من صورها تؤشر على حجم الترهل الذي أصاب جهازنا الإداري وغياب الرقابة والمساءلة عن هذا الجهاز, والأخطر من ذلك كله أننا تحولنا إلى شعب يستمرئ البطالة والعيش عالة على من سواه, بدليل أننا لا نأكل مما نزرع, ولا نلبس مما نصنع, وبدلاً من أن ننتج نمضي معظم أوقاتنا في المقاهي التي تتوالد في بلدنا توالداً سراطانياً لكثرة الإقبال عليها من الكسالى, بعد أن صار الكسل صفة ملازمة لنا وصار التأجيل الى بعد «العيد» ذريعتنا لتبرير كسلنا فها قد مضى رمضان وانقضى العيد فهل دارت عجلة الإنتاج في بلدنا ليأتي الخير الذي نتمناه في كل عيد دون أن نأخذ أسبابه فلن يأتي الخير إلا أذا شمرنا عن سواعد الجد
الراي