لم نعد بحاجة الى توصيف ظاهرة البطالة او قرع الاجراس التي تنذر بتفاقمها، فالتقارير الاقليمية والدولية تولت الامر، والاحصاءات اصبحت بمتناول الجميع، لكن ما يهمنها في هذا السياق هو البطالة الثالثة المسكوت عنها عربيا، فالبطالة الاولى التي تعرف بالبطالة المقنّعة سبق ان تحدث عنها اخصايون وخبراء ومنهم من توصل الى ان هناك اقطارا عربية لا تتجاوز فيها مدة العمل الجدي الربع ساعة من مجمل ساعات العمل المقررة.
اما البطالة الثانية فهي مدفوعة الاجر لكن ليس على طريقة ما يحدث في الغرب بل على طريقتنا العربية التقليدية وهي تحول الرواتب الى اعطيات ومنح لأفراد قد لا يضطرون لمغادرة منازلهم سوى مرة واحدة في الشهر لتتقاضي الأجر عن بطالتهم .
وما اعنيه بالبطالة الثالثة هو البطالة المؤجّلة، اي التي تنتظر عشرات وربما مئات الالاف من طلبة الجامعات والمعاهد، فهؤلاء قد يعلمون او لا يعلمون بأن ما ينتظرهم فور تخرجهم هو التثاؤب وطرق العديد من الابواب الموصدة حتى تدمى الأكف لكن بلا جدوى، والسبب التقليدي لهذا النمط من البطالة هو سوء التخطيط واحيانا غيابه التام، بحيث لا يتم توزيع الطلاب في كليات ومعاهد تبعا لحاجة المجتمع، والاولويات التي تهمه سواء كانت صناعية او زراعية او في اي مجال آخر .
وقد يكون ظاهر التكاثر المفرط في عدد الكليات والمعاهد مبشرا بمزيد من التطور والتقدم العلمي ووضع حد للأمية، لكن ما وراء الأكمات هو شيء آخر تماما، خصوصا بعد ان ادخل التعليم الى عالم التجارة والبحث عن الربح السريع وتحول بعض الجامعات الى حاضنات لتفقيس العاطلين عن العمل .
ومن قالوا ليكن من بعدنا الطوفان لا تهمهم البطالة المؤجّلة ولا اية بطالة حتى لو كانت بطالة عن الحياة، فهم يعيشون بسايكولوجيا المتسول الذي لا يفكر بما هو ابعد من الوجبة القادمة، رغم ان الاعلام بمختلف وسائله لا يكف عن القول بان البطالة هي المادة الخام النموذجية لصناعة العنف والتطرف، فأية مفارقة هذه ؟ وكيف يمكن لمن يدعون الى تجفيف مستنقعات التطرف ان يغذوا هذه المستنقعات بثلاث بطالات على الأقل !!
الدستور