إدارة التوحش وإرهاب التنوير
عمر كلاب
10-07-2016 03:04 AM
سألجأ الى حسن النية في قراءة السجال الدائر في المشهد الثقافي والتنويري حول الداعشية وخطاب الكراهية وغسل الادمغة ، فبحكم ارتفاع الورع في شهر رمضان المبارك تسخن الرؤوس ويزداد الغضب لارتفاع نسبة الادرينالين في الجسم بحكم الصيام ولذا سألتمس بعض العذر لمن خرج عن حدود اللياقة واللباقة في الحوار الذي انتقل الى سجال يشوبه استقواء على صحيفة زميله وعلى كاتبة نختلف معها ولا نختلف عليها فهي صاحبة رأي تجاوزت المنهج العلمي بالتحليل الذي يرفض التعميم ويعتبره منافيا للعلم المعرفي ويصلح فقط لمنهج العلوم المجردة فحتى نظرية “1+1” اصبحت بحاجة الى مراجعة عند تطبيق هذه النظرية على جمع السوائل مثلا فنقطة الماء اذا اضفنا اليها نقطة ماء تصبح نقطة كبيرة لا نقطتين - هذا لتخفيف الاحتقان- .
بداية دعونا نعترف اننا نخوض مراجعة منهجية لموروثنا الثقافي الذي تشكل في بيئة دينية في ظل ازمة ومن وحي ازمة وتحت ظلال هزائم متعددة على كل المستويات وعليه فإن المراجعة تحتاج في ظروف الهزيمة الى تبريد العقل ومنح العاطفة الوطنية مساحة في الحوار حتى ننتج اختلافا ولا نتوه في انتاج خلاف والفرق واضح فالاختلاف ينتج معرفة والخلاف ينتج تمترسا يتلوه تطرف يتلوه إقصاء وارهاب، كذلك ليس المطلوب في المراجعات التاريخية النقدية ان تتساوى العقول في زوايا النظر وفي اعتماد منهج واحد في القراءة والتحليل والا سيكون ذلك انجرارا الى التفكير بعقل الآخر وهذا أخطر ساحات المعارك وتكون النهاية هزائم لا هزيمة واحدة فالخسارة ان يجرّك خصمك للتفكير والتحليل والتعبير بعقله لا بعقلك فتضيع المساحة الحرة “للحوار” بين عقلين ومنهجين واقصد الحوار بمعناه الواضح في سورة الكهف والتي اختزلت اعلى مفاهيم الحوار بين كافر ومؤمن ومع ذلك بقي الحوار هو سيد الموقف “وقال لصاحبه وهو يحاوره...” دون اي انتقال الى مستويات عنيفة او متطرفة او تحمل اساءة للأخر “الكافر” حيث بقي المسار تحت لافتة “وهو يحاوره”.
لذلك لا يمكن تصنيف ما هو دائر الان الا “سجالا” وليس “حوارا” لان فيه تسجيل مواقف وتعبير عنها والحوار يتطلب خلفية لا موقفا، فالموقف ثابت وبالتالي تنتفي صفة الحوار عن الحراك الدائر الان، فثمة من يقرأ المشهد الان بعين الانتقام سواء من دعاة التنوير او من دعاة الحفاظ على الدين لان الفريقين يبحثان عن اسوأ ما في التاريخ من مشاهد مقابل حالة انكار لكل مضيء ويتساوى الفريقان في الانكار، كذلك ثمة خلط متعمد بين الديني والسياسي في قراءة الموروث دون محاولة الفصل فالسلوك السياسي مع المخالفين والمعارضين لم يتغير في العقل العربي منذ تأسيس الدولة حتى يومنا هذا واقحام الدين في المشهد السياسي ظلم للدين ويمنح الظلم السياسي شرعية دينية حصل عليها السياسي في عهود الظلام والانحطاط ولذلك وجب الفصل بين الديني والسياسي فصلا نهائيا وحاسما فدعاة الحفاظ على الدين لا يحملون تفويضا من الله العزيز الحكيم ودعاة التنوير لا يحملون اختام المعرفة لان التاريخ يسير الى الامام والسيرورة الحياتية تتطلب مراجعات دائمة وقياس الحاضر على الماضي فيه ظلم للماضي وإعماء عن قراءة المستقبل والتفاعل الايجابي مع الحاضر واظن ان الواقع الان يثبت العجز بوضوح فلا دعاة الحفاظ على الدين نجحوا في تثبيت المنهج الوسطي امام هذا المد الهائل للتوحش ولا انصار التنوير نجحوا في دفع المجتمع الى الامام بسند التاريخ والمستقبل والسبب عدم انتاج معرفة قائمة على المصالحة بين الدين والعصر او بين الديني والوطني وهذا لا يتحقق الا بالحوار بمرجعية او خلفية وليس بقرار او موقف مسبق ودون ذلك سنبقى أسرى للماضوية الكئيبة او للحداثة الجارفة والسطحية .
الدستور