لولا أن المواطن الأردني يتوارث "عقدة" النفور من مجرد سماع تعابير الخطة الاستراتيجية، واللجان الفرعية وما الى ذلك من مكرور البيانات التي طالما تحدثت عن مشاريع لا تلبث أن تتحول الى ملفات في الأدراج، لقلنا اليوم أننا بحاجة لخطة عمل لمجلس السياسات الاقتصادية الذي أولاه جلالة الملك كل الأهمية والرعاية.
الخطة أو الوثيقة التي نتمناها لمجلس السياسات الاقتصادية، هي التي يشعر معها المواطن وصاحب الاختصاص أن هناك شيئاً جديا جديداً بالفعل على نمط التفكير وعلى آلية العمل، وفيه قراءة "خارج الصندوق" للذي نعرفه كلنا، ونعرف ما فيه من سلبيات وثغرات ومن فرص وثروات وإمكانيات معطّلة.
والأهم من وجود هذه "الرؤية" غير التقليدية هو وجود معايير ومؤشرات لقياس الأداء في هذه الخطة، مع استعداد لنشر النتائج الرقمية للانجاز أو الفشل، والمحاسبة عليها.
نجرؤ على القول أن الاقتصاد لدينا والتنمية ، تحتاج الى مرجعية وعقلا مركزيا عابرا للحكومات ولمراكز القوى ، على غرار ماهو الامن والسياسة الخارجية لها عقلها المركزي العابر للبيروقراطية واللوبيات الصغيرة .
نقول ذلك ونطالب به، لأننا وجدنا نفسنا منذ مطالع العام الحالي أمام ما لا يقل عن سبع خطط ووثائق، كلها تتحدث عن التنمية المرهونة بآماد زمنية بعضها حتى 2018 وبعضها حتى 2020، وأخرى حتى 2025. بعض هذه الخطط والوثائق طويت مع رحيل الحكومة السابقة، وبعضها أصبحت لاغية مع قانون اللامركزية، وأخرى ربما يلغيها الاتفاق المنتظر مع صندوق النقد الدولي.
ويزيد في الحاجة لوجود وثيقة جديدة شاملة تستوعب كل هذه الأوراق والخطط التي لا يأنس لها المواطن العادي، أن هناك التزامات أردنية تجاه المانحين الدوليين ، وكلها لا تحتمل " المزح " او التجريب، التزامات بإصلاح الكثير من القوانين، والتوسع في المشاريع الصغيرة والمتوسطة وبتمكين الشباب والمرأة ،وبتشغيل أعداد كبيرة، من اللاجئين السوريين. وكل ذلك في أطر صغيرة مغلقة تتوزعها لجان تبدو أحياناً أنها غير خاضعة لعقل اقتصادي مركزي.
ما يراد قوله ، يتوجب قوله لأننا نعبر الان طقسا مشحونا بالجدل القديم المستمر حول مواضيع مثل شراكة القطاعين العام والخاص، وقانون الاستثمار، ومستقبل التنمية في عهد اللامركزية الذي أصبح على الأبواب بدون أن نجهز انفسنا كفاية له...
ما يراد قوله هو من نوع العودة للبديهيات: فقد توفرت للأردن بعد مؤتمر لندن للمانحين فرصة تمويل تاريخية للاستقلال الاقتصادي الحقيقي. وفي بلد كالأردن لا مخرج للتنمية التشغيلية سوى المشاريع الصغيرة والمتوسطة، باعتبارها المنفذ الجوهري الذي يمكن أن يعيد هيكلة الاقتصاد على قاعدة اللامركزية السياسية والاقتصادية. هي بديهيات تحتاج الى اعادة صياغة بعقلية الاقتصاد الاجتماعي التي تخاطب الخصوصية الاردنية .
وحدها الوثيقة الجديدة التي يفترض أن تكون ابداعية من "خارج الصندوق"، التي يمكن أن تستوعب كل هذه الاعتبارات المتقاطعة ، إذا ما اقتنعنا باعتماد عقل مركزي للاقتصاد ووفرنا للمجلس "الملكي" للسياسات الاقتصادية أن يضعها ويضمن لها رقابة ضبطية على مخرجتها.
وبالمناسبة، مثل هذا الحل سبقتنا اليه عشرات الدول في شرق آسيا وأمريكا اللاتينية ولا نحتاج لتنفيذه إلا لإرادة هي نفسها خارج الصندوق.