كان يمكن ان نقول لاخواننا العلمانيين : يا مرحبا “ بالعلمانية “ التي تؤمنون بها لو كانت “ حيادية “ لا تستهدف فصل الدين عن الحياة , ولا الاساءة “ للمتدينين “ وحرق مشاعرهم , ولا استلهام اسوأ ما في العالم من نماذج “الدهرانية “ التي خرجت من تربة لوثها استبداد “ رجال “ حكموا باسم الدين , وهي تجربة لا علاقة لها بتاريخنا او بثقافتنا او ديننا ايضا .
كان يمكن ان نقول لهم ايضا : ان التطرف والارهاب الذي تخوفوننا منه لم يخرج فقط من تحت عباءة الذين يتحدثون باسم الله , فقد سبق وخرج من انظمة كانت تحكم باسم “ العلمانية “ التي تدافعون عنها , وباسم الديموقراطية التي نتشوق جميعا اليها , وباسم الاستبداد الذي “ اغمضتم “ عيونكم عليه واصبحت حلفاء له , وباسم المقاومة والممانعة التي تحولت الى “ سمسار “ للقوى المهيمنة , لا تعرف الا القتل ولا توجه بنادقها الا الى ثورات الشعوب المستضعفة .
هنا , لا فرق بين داعش التي تقتل وتسبي وتحرق , وبين العلمانية التي اتاحت للانظمة ان تقتل وتسجن وتنفي , والديموقراطية المغشوشة التي جاءتنا فوق ظهور الدبابات واحرقت نخيل العراق وتوجت “ الملالي “ حكاما على المنطقة , لا فرق بين ارهاب يدق اعناقنا بالمتفجرات ويزرع بيننا “ ذئابه المنفردة” وبين ارهاب يغتال عقولنا ويدمر قيمنا واخلاقنا ويشيطن من لا يصفق له , ويحذف الدين من ذاكرتنا ويستهزئ بقرآننا الكريم ويدعو الى “ اغلاق “ الجمعيات التي تقوم بتحفيظه لابنائنا , بذريعة انها “ اوكار “ لتصدير الارهابيين .
تريدون الا يتدخل الدين في السياسة , نحن معكم , ولدينا الان تجارب يمكن ان نقدمها لكم ونتوافق معكم على انها يمكن ان تكون “ ملهمة “, لكن الستم معنا بان السياسة يجب ان لا تتدخل في الدين ,’ وبان التطرف الذين تتحدثون عنه خرج من تحت سطوة السياسة , اولا ثم تغطى بالدين , وبان الافكار المظلمة خرجت من “ السجون “ قبل ان تخرج من المساجد , وبان حماسكم ضد الدين يصب الزيت على النيران التي اشعلها البغدادي ورفاقه ويدفع الشباب المتدين الى احضانهم , خوفا منكم على دينهم , وعلى حريتهم وعلى مستقبلهم ايضا .
تريدون ان نتصارح , هل مشكلتكم مع الدين ام مع الذين يتحدثون باسم الدين ؟, اذا كانت القضية هي كراهيتكم “للدين “ فانتم تخاصمون الاف الملايين الذين يؤمنون بالله , ويعتقدون بان حاجتهم للدين تتقدم على كل الحاجات , كما انكم تستفزون المجتمعات المتدينة وتزعزعون استقرارها وامنها وتتجرأون على اعز مقدساتها , وبالتالي فلا جدوى من الحوار بيننا وبينكم , لكن لا مناص من التعايش معكم , اما اذا كانت مشكلتكم مع بعض الذين يتحدثون باسم الله , ويفهمون الدين على مقاسات عقولهم , فنحن معكم عليهم , لكن دون اقصاء او اساءة او تجريح , فهؤلاء لا يمثلون الدين , انهم مثلكم حين تتحدثون باسم العلمانية , ولا تمثلونها , وربما انتم اسوأ منهم حين تريدون ان تنزعوا من قلوب الناس ايمانهم وتلحقوهم في طوابق الذين يروجون للرذيلة , او حين تصمتون عن الارهاب والتطرف الذي يبيح للقاتل السياسي والاقتصادي ان يستبد ويقتل , او “ للاخر “ المحتل والاجنبي ان يفعل ما يشاء , دون ان تتحرك اقلامكم المسنونة لمواجهته او الصاق تهمة التطرف والارهاب فيه .
يا اخواننا العلمانيين : نريدكم معنا لا ضدنا , فنحن مع الحرية والعدالة والكرامة الانسانية , ضد الظلم والاستبداد والفساد , نحن مع الدين الذي يكون آية وهداية , لا مع الدين الذي يتحول الى قانون وسكين , نحن مع الانسان الذي ترونه متحررا من عبوديته , لكنه “عبد “ لمن خلقه، لان ذلك الايمان هو القوة الوحيدة التي تمنحه معنى الحرية والتحرر , دعونا نجتمع على “ المشتركات “ الكبرى التي تعزز كرامة هذا الانسان وتحافظ على تماسك المجتمعات , ثم ابحثوا معنا عن المصادر الحقيقية للتطرف والارهاب , وللجهل والخوف , سواء اكانت في السياسة او في التعليم او تحت عباءة الذين يوظفون افكارهم ومعتقداتهم , مهما كانت بدافع التعصب والكراهية لمصلحة الذين يتربصون بامتنا , ويتعمدون شطبنا من التاريخ ومن المستقبل ايضا .
الدستور