-1-
سبب التوحش والإسراف في القتل، وجريان الدم في بلادنا، ليس القرآن الكريم، ولا ابن تيمية، وفتاواه، ولا مناهجنا المدرسية، ولا ما يسمى «الوهابية» (أو مذهب ابن حنبل لأنه لا يوجد شيء اسمه الوهابية أصلا)، ولا حمى التكفير، وإهدار دم «الآخر» منا، سبب هذا الذي نراه، كلمة واحدة فقط: الاستبداد، وما يولد من قهر وتعذيب وتغييب ومظالم، واحتلال همجي، وعقوبات جماعية (ما يجري في الخليل مثلا من حصار همجي وقمع وخنق لسبعمائة ألف نسمة!) وسجون سرية وعلنية، وهدر للإنسانية، وموت بطيء، وهتك للأعراض..
إبحثوا يا رفاق في سجلات القتلة الكبار، وتآمرات صُناع الموت المُعولم، وزُراع القهر، ودفيئات الحقد، عن كيفية تشويه خلق الله، وتخريب وعيهم، وتحويلهم إلى مسوخ متوحشة، متعطشة للبطش، والقتل، قبل ان توجهوا سهامكم الطائشة لنحوركم!
صحيح هناك قدر يسير من الفتاوى المجنحة، والاجتهادات الخارجة عن المنطق، وبعض الفهم المبتور لبعض القضايا، وفقه «أحمر» مجنون، لا اسم له غير فقه القتل والإجرام، لكن كل هذا محصور ويمكن جمعه ونفيه من الوجدان الشعبي العام، ولا أثر له في التيار الوسطي العريض للمسلمين، ولا أقول للإسلاميين، فالكل في بلادنا «مسلمون» ديانة أو حضارة، أو هوية ثقافية، ولا مرجعية لأحد هنا في هذه البلاد خارج هذه الهوية الجامعة!
-2-
في جريمة ?إسطنبول? مثلا، شيء غريب: القاتل المنحدر من قرغيزيا أو أي بلد فيآسيا الوسطى، لا يعرف القتيل المنحدر من الأردن أو فلسطين أو ألمانيا، أو تركيا، من يعرفهما جيدا، طرف ثالث، هو صانع الموت!
البصمة في كثير من حوادث التفجير، وقتل «الصدفة» المجاني ، حيث لا يعرف المقتول لم قُتل، هي بصمة «داعش»، وكذا هو الحال في جريمة القتل الأممية في ?اسطنبول?، لكن أي جهاز مخابرات خطط للموضوع؟ وأي مجرمين مغسولة أدمغتهم نفذوا؟ ألله اعلم!
-3-
ما يغيب عن فريقيْ تقاذف التهم، سواء من يُسمون بالمحافظين أو اليمينيين، أو «الإسلاميين»، من جهة، وبين أهل اليسار أو العلمانيين أو «المتفتحة» عقولهم على اتساع فتحة قميص سيدة متحررة، أن الاستبداد السياسي نفسه، المسؤول عن كل شيء، حينا يقرب التيار الإسلامي لضرب اليسار، وحينا يفعل العكس، وإذا ما هدأت الأمور، افتعل ما يجب تشديد القبضة وخنق الشعب، والشعب راض، ومبسوط، باعتبار أن مصادرة حريته، واجب وطني!
الاستبداد، يشبه الرجل المزواج، ينام كل ليلة مع «محظية» من محظياته، حتى إذا مل من إحداهن أحالها إلى التقاعد، أو فصلها من الخدمة نهائيا، والمشكل هنا أن المشهد بحاجة لشهرزاد ودهائها، للانتقام لبنات «جنسها» من شهريار، ونزواته!
-4-
أشد الأخطار التي تحدق بهذه الأمة، بعد الاستبداد الرسمي، غلاة الشيعة الذين ما زالوا يحاربون أشباح بني أمية، ويحلمون بتصفية حساباتهم مع من دك عرش كسرى، وغلاة السنة الذين يحضون على سفك الدماء، وهم يرسلون «تغريداتهم» على تويتر وفيسبوك، فيما يستلقون في ظلال مكيفات الهواء!
الدستور