السياسة الميكافيلية التي تُنسب إلى ميكافيلي والذي كان مستشاراً لزعيم فلورنسا ونصحه بقتل كل من يُعارضه بل وكل من يتوقع أن يُعارضه في المستقبل لضمان استمرار حُكمه ، واصبح الفكر الميكافيلي الذي شرحه في ثلاثين كتاباً على رأسها كتاب الأمير والذي نُشر بعد موته وهو من أهم الكتب التي اقتناها الملوك والزعماء والذي أورد فيه المبادئ الميكافليه ، على رأسها الغاية تُبرر الوسيلة واصبح هذا المبدأ من أهم المفاهيم التي أحدثت تحولاً هاماً في تاريخ الفكر السياسي، و يرى أن الرعية يتسابقون لعرض دمائهم وسلعهم واطفالهم عندما تكون المخاطر بعيدة، ولكنهم يتمردون عندما يقترب الخطر، ونصح الحاكم بأن يكون مُهاباً أكثر من كونه محبوباً لأن الحب يرتب التزامات من السهل أن يكسرها الرجال لخدمة أغراضهم ولكن الخوف يبقى التبعية نتيجة الرعب من العقوبة.
المهم أن مُجمل أفكاره تقود إلى سياسة بلا مبادئ وبلا أخلاق، وللأسف فقد طَبقَ هذه الأفكار الكثير من الزعماء على مر العصور ما أدى إلى هلاك الأمم وانحطاط اخلاقها وافلاسها القيمي ، واشتغل الكتاب والمحللون والمفكرون بتمجيد الزعيم خوفاً من بطشه وقيمه واعتماده الميكافيليه في كون الغاية تبرر الوسيلة.
وهكذا رأينا الأعداء أصدقاء والأصدقاء أعداء وما تمليه المصلحة يعتبر الحادي لوجهة السياسيين وحسب موازين القوى فقد اصبح السطو على مصالح الدول وتدميرها وتحطيم جيوشها مشروعاً وضرب المواثيق والأعراف الدولية عرض الحائط، هذا ما حدث في العراق وسوريا رغم خصوصية الأزمة السورية، ولكن الأهداف هي الأهداف لم تتغير مصالح دول قوية وتحالفات لتحقيق هذه المصالح ، برز في هذا الخضم اسم اردوغان كزعيم مسلم يرفع شعارات الحق والعدالة ورفع الظلم كقيم مُقدسه آمن بها الكثيرون ورأوا فيه زعيماً ورجل مبادئ يمتلئ بالأنفه والعزة والكرامة والكبرياء ، وكان لموقفه العظيم في مؤتمر دافوس أثر كبير في تثبيت هذه المفاهيم ، كما للتجربة الإقتصادية التركية مع حزب العدالة والتنمية أكبر الأثر في ما اكتسبه اردوغان من هالة الزعامة .
وكنت أنا وقبل انغماسه في الأزمة السورية من أكثر الذاكرين له كزعيم قاد الأمة إلى بر الأمان ولكن يبدو أن ميكافيلي لم يترك زعيماً ليعمل على هواه بعد أن غرس أفكاره الطموحة فكانت الأزمة السورية وظهرت طموحات السلطان لدى رجل المبادئ وانغمس في مصالح بلا اخلاق ولا ضوابط وانغمس في الشأن السوري بدعمه جماعات داعش والنصرة وجيش الاسلام و ما يزيد عن الف تنظيم إجرامي آخر ، واصبح جزءا من الحلف الصهيوني الذي عمل ويعمل على تفتيت الأمة العربية الاسلامية ونحر رجالاتها وإغراقها في مُستنقع الدماء والأشلاء .
وبعد أن بات واضحاً أن الدور الإقليمي في الأزمة السورية شارف على الإنتهاء ، فلم نعد نسمع اسم قطر في الأزمة وثاب السلطان العثماني إلى رشده وعاد لترميم علاقته ، عودة السلطان معتذراً لموسكو وإعادة علاقته مع اسرائيل تُعيدنا إلى مبدأ ميكافيلي الذي رأى الكثيرون أن السلطان يتحرك بوحي براغماتي بُحت بعيداً عن شعارات حقوق الانسان ورفع الظلم وإغاثة الملهوف.
وتقول القصة أن باصاً يحمل سياسيين انقلب في قرية بعيدة وعندما وصلت فرق الإنقاذ وجدت فلاحاً قد قام بدفن الجثث جميعاً فسأله قائد الفريق هل تأكدت تماماً من موت اصحاب الجثث التي قمت بدفنها فقال كان هناك من يصرخ ويقول انا حي ، ولكن من يُصدق السياسيين؟